مــــــــــــــلتقي الدعـــــــــــــــــــــــــــــــــــــيات الـي الله


انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

مــــــــــــــلتقي الدعـــــــــــــــــــــــــــــــــــــيات الـي الله
مــــــــــــــلتقي الدعـــــــــــــــــــــــــــــــــــــيات الـي الله
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

الاربعين النوويه : الحديث الثاني(الجزء الثاني)

اذهب الى الأسفل

الاربعين النوويه : الحديث الثاني(الجزء الثاني) Empty الاربعين النوويه : الحديث الثاني(الجزء الثاني)

مُساهمة من طرف زهرة الخميس ديسمبر 13, 2012 2:49 pm

موعدنا اليوم باذن الله مع الحديث الثاني
في الأربعين النووية ..

سنتابع ما بداناه في المحاضرة السابقة ..
ونكمل سويا حديث النبي صلى الله عليه وسلم الثاني
قَالَ: فَأَخْبِرني عَنِ الإِيمَانِ قال: أي جبريل، فأخبرني: أي يامحمد عن الإيمان؟

والإيمان في اللغة: هو الإقرار والاعتراف المستلزم للقبول والإذعان وهو مطابق للشرع.

وأما قولهم: الإيمان في اللغة التصديق ففيه نظر، لأنه يقال: آمنت بكذا
وصدقت فلاناً ولايقال: آمنت فلاناً، بل يقال: صدقه، فصدق فعل متعدٍ، وآمن
فعل لازم، وقد ذكر ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - باستفاضة في
كتابه: (كتاب الإيمان.


وقولنا: الإيمان المستلزم للقبول والإذعان احترازاً مما لو أقر
لكن لم يقبل كأبي طالب عم النبي صلى الله عليه وسلم

،حيث أقر بالنبي صلى الله عليه وسلم وأنه صادق لكن لم يقبل ماجاء به
- نسأل الله العافية -

ولم يُذعن ولم يتابع، فلم ينفعه الإقرار، فلابد من القبول والإذعان.[/size]



ولذلك يخطئ خطأً كبيراً من يقول: إن أهل الكتاب مؤمنون بالله،
وكيف يكون ذلك وهم لم يقبلوا شرع الله ولم يذعنوا له،
فاليهود والنصارى حين بعث رسول الله كفروا به وليسوا بمسلمين ودينهم دين باطل،
ومن اعتقد أن دينهم صحيح مساوٍ لدين الإسلام فهو كافر خارج عن الإسلام فالإيمان قبولٌ وإذعانٌ.

قَالَ:
الإِيْمَانُ أَنْ تُؤمِنَ بِاللهِ، وَمَلائِكَتِهِ، وَكُتُبِهِ، وَرسله،
وَاليَوْمِ الآخِرِ، وَتُؤْمِنُ بَالقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ


هذه ستّة أشياء:
أَنْ تُؤْمِنَ بِاللهِ الإيمان بالله يتضمن أربعة أشياء:
لأول : الإيمان بوجوده سبحانه وتعالى. فمن أنكر الله تعالى فليس بمؤمن،
ومع ذلك لايمكن أن يوجد أحد ينكر وجود الله تعالى بقرارة نفسه، حتى
فرعون الذي قال لموسى: ما رب العالمين؟ كان مقرّاً بالله، قال له مؤسى: (لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلاءِ إِلاَّ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ ) (الاسراء: الآية102) لكنه جاحد،كما قال الله تعالى: (وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً )(النمل: الآية14)


الثاني : الإيمان بانفراده بالرّبوبية،
أي تؤمن بأنه وحده الرّب وأنه منفرد بالربوبية، والرب هو الخالق المالك المدبر

فمن الذي خلق السماوات والأرض ؟ الله عزّ وجل
ومن الذي خلق البشر ؟ الله عزّ وجل
ومن يملك تدبير السماوات والأرض ؟ الله عزّ وجل


الثالث : إيمان بانفراده بالألوهية، وأنه وحده الذي لا إله إلا هو لاشريك له، فمن ادعى أن مع الله إلهاً يُعبد فإنه لم يؤمن بالله، فلابد أن تؤمن بانفراده بالألوهية، وإلا فما آمنت به.

الرابع : أن تؤمن بأسماء الله وصفاته بإثبات ما أثبته سبحانه لنفسه في كتابه، أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم من الأسماء والصفات على الوجه اللائق به من غير تحريف، ولاتعطيل ولاتكييف، ولا تمثيل، فمن حرّف آيات الصفات أو أحاديث الصفات فإنه لم يحقق الإيمان بالله .[/size]
للقراءة فقط
||

قال قومٌ
(الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) (طـه:5)
استولى،
ومعناه شرعاً ولغة: علا وارتفع على العرش، لكنه علوّ خاص، ليس العلوّ
العام علىجميع المخلوقات. فهذا الذي فسّر (اسْتَوَى) بـ : استولى لم
يحقق الإيمان بالله، لأنه نفى صفة أثبتها الله لنفسه، والواجب إثبات
الصفات.


ومن قال: (لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ
)(صّ: الآية75) أي بقدرتيَّ ، أو: بقوتيَّ وليس لله يد حقيقة لم يحقق
الإيمان بالله، لو حقق الإيمان بالله لقال: لله عزّ وجل يد حقيقية لكن
لاتماثل أيدي المخلوقين،كما قال الله عزّ وجل : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ
)(الشورى: الآية11) لأننا لانحدث عن الله إلاعلى حسب ما أخبرنا الله به
عن نفسه، فإذا كنّا لايمكن أن نتحدث عن شخص لم نرهُ وإن كان عندنا في
البلد، فكيف نتحدث عن الله تعالى بلاعلم.

وإذا قال: إن الله لايتكلم بكلام مسموع،
ولكن كلامه المعنى القائم بنفسه، وما سمعه جبريل فهو مخلوق، أصوات خلقها
الله عزّ وجل لتعبّر عما في نفسه، فهذا ما حقق الإيمان بالله. لأن تفسير
(الكلام) بهذا المعنى يدلّ على أن الله تعالى لايتكلم حقيقة، لأنك إذا
قلت: الكلام هو المعنى القائم بالنفس صار معنى الكلام هو العلم، لا أنه
المسموع، وعلى هذا فقس.


وعلى هذا فجميع المبتدعة في الأسماء
والصفات، المخالفين لما عليه السلف الصالح، لم يحققوا الإيمان بالله، ولا
نقول إنهم غير مؤمنين، فهم مؤمنون لاشك، لكنهم لم يحققوا الإيمان بالله،
والذي فاتهم من الأمور الأربعة هو الرابع: الإيمان بأسماء الله وصفاته،
فلم يحققوا الإيمان به، وهم مخطئون مخالفون لطريق السلف، وطريقتهم ضلال
بلاشكّ، ولكن لايحكم على صاحبه بالضلال حتى تقوم عليه الحجة، فإذا قامت
عليه الحجة، وأصر على خطئه وضلاله، كان مبتدعاً فيما خالف فيه الحق، وإن
كان سلفيّاً فيما سواه، فلا يوصف بأنه مبتدع على وجه الإطلاق، ولا بأنه
سلفيّ على وجه الإطلاق ،بل يوصف بأنه سلفي فيما وافق السلف، مبتدع فيما
خالفهم .


ومن مسائل الأسماء والصفات التي حصل فيها خلاف معنى حديث : أَنَّ اللهَ خَلَقَ آَدَمَ عَلَى صُوْرَتِهِ[25] وضجّوا وارتفعت أصواتهم وكثرت مناقشاتهم، كيف خلق آدم على صورته؟
فحرّفه قومٌ تحريفاً مشيناً مستكرهاً،
وقالوا: معنى الحديث: خَلَقَ اللهُ آدم على صورته أي على صورة آدم - الله
المستعان - هل يمكن لأفصح البشر وأنصح البشر أن يريد بالضمير ضمير
المخلوق، بمعنى خلق آدم على صورته أي على صورة آدم ؟ لايمكن هذا، لأن كل
مخلوق فقد خلق على صورته، وحينئذ لافضل لآدم على غيره. فهذا هراء لامعنى
له، أتدرون لما قالوا هذا التأويل المستكره المشين؟

قالوا: لأنك لو قلت إنها صورة الرب عزّ وجل لمثّلت الله بخلقه، لأن صورة الشيء مطابقةله ، وهذا تمثيل .

وجوابنا على هذا أن نقول : لو أعطيت النصوص حقها لقلت خلق الله آدم على صورة الله ، لكن ليس كمثل الله شيء.

فإن قال قائل: اضربوا لنا مثلاً نقتنع به ، أن الشيء يكون على صورة الشيء وليس مماثلاً له ؟
والجواب نقول: ثبت عن النبي صلى الله
عليه وسلم أنه قال إِنَّ أَوَّلَ زُمْرَةٍ تَدْخُلُ الجَنَّةَ عَلَى
صُوْرَةِ القَمَرِ لَيْلَةِ البَدْرِ ثُمَّ الَّذِيْنَ يَلوُنَهُمْ عَلَى
أَضْوَءِ كَوْكَبٍ فِي السَّمَاءِ[26]
فهل أنت تعتقد أن هؤلاء الذين يدخلون الجنة على صورة القمر من كل وجه أو
تعتقد أنهم على صورة البشر لكن في الوضاءة والحسن والجمال واستدارة
الوجه وما أشبه ذلك على صورة القمر، لامن كل وجه ، فإن قلت بالأول
فمقتضاه أنهم دخلوا وليس لهم أعين وليس لهم أفواه، وإن قلت بالثاني؛ زال
الإشكال وثبت أنه لايلزم من كون الشيء على صورة الشيء أن يكون مماثلاً له
من كل وجه.


فالمهم أن باب الصفات بابٌ عظيمٌ، خطره
جسيم، ولايمكن أن ينفك الإنسان من الورطات والهلكات التي يقع فيها إلا
باتباع السلف الصالح، أثبت ما أثبته الله تعالى لنفسه، وانْفِ مانفى الله
عن نفسه، فتستريح.


هل تبحث في أمر يكون البحث فيه تعمّقاً وتنطّعاً ؟
الجواب: لا تبحث.
وقد سُئِل الإمام مالك - رحمه الله - عن قول الله تعالى: (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) [طه:5] كيف استوى؟
فأطرق - رحمه الله - برأسه وجعل يتصبب
عرقاً من ثقل ما ألقي عليه وتعظيمه الرب جل وعلا، ثم رفع رأسه وقال:
(الاستواء غير مجهول) أي أنه معلوم في اللغة العربية، استوى على كذا: أي
علا عليه واستقرّ، وكل ما ورد في القرآن والسنةوكلام العرب أن (استوى) إذا
تعدّت بـ (على) فمعناه العلو وقوله: (والكيف غير معقول) أي معناه: أنّا
لاندرك كيفية استواء الله على عرشه بعقولنا: وإنما طريق ذلك السمع.
وقوله: (الإيمان به واجب) معناه : أن الإيمان باستواء الله على عرشه على
الوجه اللائق واجب. (والسؤال عنه بدعة) معناه : أن السؤال عن كيفية
الاستواء بدعة، لأن مثل هذا السؤال لم يسأل عنه الصحابة رضي الله عنهم
النبي صلى الله عليه وسلم وهم أشد منا حرصاً على معرفة الله عزّ وجل ،
والمجيب لو سألوه فهو أعلم منا بالله تعالى، ومع ذلك لم يقع السؤال، أفلا
يسعنا ما وسعهم ؟

الجواب: بلى، فيجب على المسلم أن يسعه ما وسع السلف الصالح، فلا يسأل.
ثم قال الإمام مالك - رحمه الله- : (ما
أراك) أي ما أظنك (إلامبتدعاً) تريد أن تفسد على الناس دينهم، ثم أمر به
فأُخرج من المسجد، أي مسجد النبي صلى الله عليه وسلم ، ولم يقل: والله
لاأستطيع إخراجه، أخشى أن أدخل في قوله تعالى: (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ
مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ )(البقرة:
الآية114) لأني أمنع هذا من دخول المسجد، لأنه لم يدخل ليذكر فيه اسم
الله، بل دخل ليفسد عباد الله، ومثل هذا يمنع.

فإذا كان الذي يأكل الثوم والبصل يمنع
من دخول المسجد، فكيف بمن يفسد على الناس أديانهم،أفلا يكون أحقّ بالمنع؟
بلى والله، ولكن كثيراً من الناس غافلون.

على كلّ حال هذا المقام مقام عظيم، لكني أحذركم أن تتعمّقوا في باب الأسماء والصفات، وأن تسألوا عما لاحاجة لكم به
يقول بعض الناس: الله
تعالى له أصابع، ويقول المحرفون: ليس له أصابع، والمراد بقوله: إنَّ
قُلُوْبَ بَنِيْ آدَمَ بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ[27]
كمال السيطرة والتدبير، سبحانَ الله، أأنتم أعلم أم رسول الله؟ نفوا
الأصابع لظنهم أن إثباتها يستلزم التمثيل، فمثلوا أولاً وعطّلوا ثانياً،
فجمعوا بين التمثيل والتعطيل.

وجاء آخرون فقالوا: قلوب بني آدم بين
أصبعين من أصابع الرحمن، وأمسك المسواك بين أصابعه وقال: بين أصبعين من
أصابع الرحمن. قطع الله هاتين الأصبعين. فهل يحلّ هذا ؟

الجواب: لا يحل، أولاً: هل تعلم أن أصابع الله تعالى خمسة: إبهام وسبابة ووسطى وبنصر وخنصر؟ لا تعلم .
ثانياً: هل تعلم أن كون القلوب بين
أصبعين من أصابع الرحمن: بين الإبهام والسبابة، أو بين الإبهام والوسطى،
أو بين الإبهام والبنصر، أو بين الإبهام والخنصر؟ كيف تقول على الله ما
لاتعلم، أم على الله يفترون، فمثل هذا يستحق أن يؤدّب لأنه قال على الله
ما لا يعلم.

فقالوا: أليس النبي صلى الله عليه وسلم لما قال: وَكَانَ اللهُ سَمِيعَاً بَصِيرَا وضع إبهامه وسبابته على العين والأذن[28]
نقول: بلى، لكن أنت لست رسولاً حتى تفعل هذا، ثم المقصود من وضع الرسول صلى الله عليه وسلم أصبعيه تحقيق السمع والبصر فقط.
وأكرر أن باب الصفات باب عظيم، احذر أن تزل، فتحت رجلك هوّة، فالأمر صعب جداً.
يقول آخرون في قول الله تعالى:
(وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ )(الزمر: الآية67)
فيشير بيده قابضاً لها على شيء - أعوذ بالله - والآخرون يقولون: قبضته أي
تحت تصرفه، والفرق بينهما عظيم.

فعلى كل حال، أكرر:احذروا باب الصفات أن تخوضوا في شيءٍ لم يتكلم فيه السلف الصالح.
يقول بعض العلماء: من لم يسعه ما وسع الصحابة والتابعين فلا وسّع الله عليه.
||||


قوله: وَمَلائِكَتِهِ



بدأ بالملائكة قبل الرسل والكتب لأنهم عالم غيبي، أما الرسل والكتب فعالم محسوس، فالملائكة لا يظهرون بالحس إلا بإذن الله عزّ وجل ،
وقد خلق الله الملائكة من نورٍ،
كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم وهم لايحتاجون إلى أكل وشرب،
ولهذا قيل إنهم صمدٌ أي ليس لهم أجواف،
فلا يحتاجون إلى أكل ولا شرب، فنؤمن أن هناك عالماً غيبياً هم الملائكة.

وهم أصناف، ووظائفهم أيضاً أصناف حسب حكمة الله عزّ وجل كالبشر أصناف ووظائفهم أصناف.

والإيمان بالملائكة يتضمّن:
أولاً : الإيمان بأسماء من علمنا أسماءهم،أن نؤمن بأن هناك ملَكاً اسمه كذا مثل جبريل.

ثانياً : أن نؤمن بما لهم من أعمال، مثلاً:
جبريل: موكل بالوحي، ينزل به من عند الله إلى رسله.
وميكائيل: موكل بالقطر أي المطر، والنبات أي نبات الأرض.
وإسرافيل: موكل بالنفخ في الصور .

هؤلاء الثلاثة كان النبي صلى الله عليه وسلم يذكرهم عندما
يستفتح صلاة الليل فيقول: اللَّهُمَّ رَبَّ جِبْرَائِيْلَ وَمِيْكَائِيْلَ وَإِسْرَافِيْلَ 29

والحكمة من هذا : أن كل واحد منهم موكل بحياة:
فجبريل موكل بالوحي وهو حياة القلوب كما قال عزّ وجل : (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا)(الشورى: الآية52)
وميكائيل موكل بالقطر والنبات وهو حياة الأرض،
وإسرافيل موكل بالنفخ في الصور وهو حياة الناس الحياة الأبدية.
والمناسبة ظاهرة، لأنك إذا قمت من
النوم فقد بعثت من موت كما قال تعالى: [وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ
بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ
فِيهِ ) (الأنعام: الآية60)] وقال عزّ وجل: (اللَّهُ يَتَوَفَّى
الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا
فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى
إِلَى أَجَلٍ مُسَمّى)(الزمر: الآية42)

إذا كان القيام من الليل بعثاً وهؤلاء الملائكة الثلاثة الكرام كلهم موكلون بحياة،صارت المناسبة واضحة.
كذلك يجب الإيمان بما لبعض الملائكة من أعمال خاصة، فمثلاً:
هناك ملائكة وظائفهم أن يكتبوا أعمال العباد، قال الله عزّ وجل: (وَلَقَدْ
خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ
وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ * إِذْ يَتَلَقَّى
الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ*مَا يَلْفِظُ
مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ
) ق:16-18

فهؤلاء موكلون بكتابة أعمال بني آدم،
وقال الله عزّ وجل أيضاً في آية أخرى( كَلاَّ بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ*وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ كراما كاتبين) [الأنفطار:9-11] يكتبون كل قول يقوله الإنسان،
وظاهر الآية الكريمة أنهم يكتبون ما
للإنسان وما عليه وما ليس له ولا عليه، وجه كون هذا هو الظاهر: أن قوله
عزّ وجل ( مِنْ قَوْلٍ) نكرة في سياق النفي مؤكّدة بـ: (من) فتفيد
العموم، لكن ماليس له ولا عليه لايحاسب عليه وإنما يقال إنه فاته خير
كثير.

وذُكر أن رجلاً
دخل على الإمام أحمد بن حنبل - رحمه الله- فقيه المحدّثين ومحدث
الفقهاء وإمام أهل السنة، دخل عليه وهو يئن من الوجع، فقال له: يا أبا عبد
الله تئنّ وقد قال طاوس: إن الملك يكتب حتى أنين المريض، فأمسك الإمام
أحمد - رحمه الله تعالى - عن الأنين، وهذا من تعظيم آثار السلف عند السلف.

ومن الملائكة من هم موكلون بالسياحة في الأرض يلتمسون حِلَق الذّكر والعلم فإذا وجدوها جلسوا.
ومنهم ملائكة موكلون بحفظ بني آدم
ومنهم ملائكة موكلون بقبض روح بني آدم.
ومنهم ملائكة موكلون بسؤال الميت في قبره.
ومنهم ملائكة موكلون بتلقّي المؤمنين يوم القيامة( وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ )(الانبياء: الآية103)
ومنهم ملائكة موكلون بتحية أهل الجنة كما قال تعالى في كتابه: (وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَاب ٍ * سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ) (الرعد:23-24)
ومنهم ملائكة يعبدون الله عزّ وجل ليلاً ونهاراً، كما قال سبحانه وتعالى: (يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لا يَفْتُرُونَ) (الانبياء: قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( أَطَّتِ السَّماءُ وَحَقَّ لَهَا أَنْ تَئِطَّ) والأطيط : هو صرير الرحل على البعير إذا كان الحمل ثقيلاً،
فيقول صلى الله عليه وسلم : ( أَطَّتِ
السَّماءُ وَحَقَّ لَهَا أَنْ تَئِطَّ، مَامِنْ مَوْضِعِ أَرْبَعِ
أَصَابِع مِنْهَا إِلاَّ وَفِيْهِ مَلَكٌ قَائِمٌ لِلَّهِ أَوْ رَاكِعٌ
أَوْ سَاجِد
)
---


وَكُتُبِهِ

جمع كتاب بمعنى: مكتوب
والمراد بها الكتب التي أنزلها الله عزّ وجل على
رسله لأنه ما من رسول إلا أنزل الله عليه كتاباً

كما قال الله عزّ وجل : (كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النبيينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ ) (البقرة:213)
وقال عزّ وجل: (وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا) أي إبراهيم ونوح: (النُّبُوَّةَ وَالْكِتَاب) [الحديد:26]

واعلم أن جميع الكتب السابقة منسوخة بما له هيمنة عليها وهو القرآن،

قال الله عزّ وجل: (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ)(المائدة: الآية48)
كل الكتب منسوخة بالقرآن،فلا يُعمل بها شرعاً.
واختلف العلماء - رحمهم الله - فيما ثبت في شرائع من قبلنا،
هل نعمل به إلا أن يرد شرعنا بخلافه، أو لا نعمل به؟

من العلماء من قال: إن شرع من قبلنا شرع لنا مالم يرد شرعنا بخلافه،
وذلك أن ماسبق من الشرائع:
.1إما أن توافقه شريعتنا
.2 وإما أن تخالفه شريعتنا
.3 وإما أن لاندري توافقه شريعتنا أم لا فيكون مسكوتاً عنه
فما وافقته شريعتنا فهو حق ونتبعه، وهذا بالإجماع، واتباعنا إياه لا لأجل وروده في الكتاب السابق ولكن لشريعتنا
- وما خالف شريعتنا فلا نعمل به بالاتفاق، لأنه منسوخ، ومثاله لايحرم
على الناس أكل الإبل في وقتنا مع أنها على بني إسرائيل - اليهود خاصة -
كانت محرمة.
- وما لم يرد شرعنا بخلافه ولا وفاقه فهذا محل الخلاف: منهم من قال: إنه
شرع لنا. ومنهم من قال: ليس بشرعٍ لنا، ولكل دليل، وتفصيل ذلك في أصول
الفقه.

والإيمان بالكتب يتضمّن أربعة أمور:

أولاً : أن نؤمن بأن الله تعالى أنزل على الرسل كتباً، وأنها من عند الله

ولكن لانؤمن بأن الكتب الموجودة في أيدي هذه الأمم هي الكتب التي من عند الله لأنها محرّفة ومبدلة،

لكن أصل الكتاب المنزل على الرسول نؤمن بأنه حق من عند الله.
ثانياً : أن نؤمن بصحة ما فيها من أخبار كأخبار القرآن وأخبار ما لم يبدل أو يحرّف من الكتب السابقة.
ثالثاً : أن نؤمن بما فيها من أحكام إذا لم تخالف الشريعة على القول بأن شرع من قبلنا شرع لنا - وهو ا لحق - إذا لم يرد شرعنا بخلافه.
رابعاً : أن نؤمن بما علمنا من أسمائها، مثل: القرآن والتوراة والإنجيل والزبور وصحف إبراهيم وصحف موسى.

فلو قال رجل: أنا لا أومن بأن هناك كتاباً يسمى التوراة،
فإنه كافر، لأن الإيمان بالله يتضمن الإيمان بالكتب.


وَرسُلِهِ

أي أن تؤمن برسل الله عزّ وجل ، والمراد بالرسل من البشر،
وليعلم بأنه يعبر برسول ويعبّر بنبي، فهل معناهما واحد؟
الجواب: أما في القرآن فكل من ذكر من الأنبياء فهو الرسول ،

فكلما وجدت في القرآن من نبي فهو رسول، لكن معنى النبي والرسول يختلف،
والصواب فيه: أن النبي هو من أوحي إليه بشرع وأمر بالعمل به ولكن لم يؤمر
بتبليغه، فهو نبي بمعنى مُخْبَر، ولكن لم يؤمر بالتبليغ. مثاله: آدم عليه
السلام أبو البشر نبي مكلف لكنه ليس برسول، لأن أول الرسل نوح، أما آدم
فنبي كما صح ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم .


فإذا قال قائل: لماذا لم يرسل؟

فالجواب: لأن الناس في ذلك الوقت كانوا أمة واحدة، قليلون وليس بينهم اختلاف،

لم تتسع الدنيا ولم ينتشر البشر فكانوا متّفقين فكفاهم أن يروا أباهم على عبادة ويتبعوه،
ثم لما حصل الخلاف وانتشر الناس احتيج إلى الرسل، كما قال الله عزّ وجل : (كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النبيينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ)(البقرة: الآية213)
فإذا قال قائل: ما الفائدة من النبي صلى الله عليه وسلم بعد آدم عليه السلام
إذا كان لم يؤمر بالتبليغ ؟

قلنا الفائدة: تذكير الناس بالشريعة التي نسوها، وفي هذا لا يكون الإعراض
من الناس تاماً فلا يحتاجون إلى رسول ،ويكفي النبي صلى الله عليه وسلم
الذي يذكرهم بالشريعة، قال الله تعالى: (
إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدىً وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النبيونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا )(المائدة:
الآية44) هذه هي الفائدة من النبي صلى الله عليه وسلم ، لأن هذا الإيراد
إيراد قوي وهو ما الفائدة من النبوة بلا رسالة؟ والجواب ماسبق. ولهذا
جاء في حديث لكنه ضعيف: عُلَمَاءُ أُمَّتِيْ كَأَنْبِيَاءِ بَنِيْ
إِسْرَائِيْل[31] معناه صحيح لكنه ضعيف من حيث إنه مسند إلى النبي صلى الله عليه وسلم .

وأوّل الرسل نوح عليه السلام،
وآخرهم محمد صلى الله عليه وسلم،
واعلم بأنك ستجد في بعض كتب التاريخ أن إدريس عليه الصلاة والسلام كان
قبل نوح عليه السلام، وأن هناك بعضاً آخرين مثل شيث، كل هذا كذبٌ وليس
بصحيح.
فإدريس بعد نوح قطعاً،

وقد قال بعض العلماء: إن إدريس من الرسل في بني إسرائيل،

لأنه دائماً يذكر في سياق قصصهم، لكن نعلم علم اليقين أنه ليس قبل نوح،

والدليل
قول الله تعالى: (إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنبيينَ مِنْ بَعْدِهِ ) (النساء: الآية163) وقال الله عزّ وجل: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ) (الحديد: الآية26) فأرسلهم الله وهم القمة،
وجعل في ذريتهما النبوة والكتاب،
فمن زعم أن إدريس قبل نوح فقد كذب القرآن وعليه أن يتوب إلى الله من هذا الاعتقاد.

والرسل عليهم الصلاة والسلام هم أعلى طبقات البشر الذين أنعم الله عليهم،

قال الله تعالى: (وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ
وَالرسول فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ
النبيينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ
) (النساء: الآية69)
هذه أربعة أصناف. النبيون يدخل فيهم الرسل وهم أفضل من الأنبياء، ثم
الرسل أفضلهم خمسة هم أُوُلو العزم، ذكروا في القرآن في موضعين في سورة
الأحزاب وفي سورة الشورى: ففي سورة الأحزاب قال الله تعالى: (وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النبيينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى) (الأحزاب: الآية7) وفي سورة الشورى قال الله تعالى: (شَرَعَ
لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا
إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ
أَقِيمُوا الدِّين
)(الشورى: الآية13) فسبحان الله ، هذه وصية من الله للأولين والآخرين : (أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا ) (الشورى: الآية13) فهي وصية بإقامة الدين وعدم التفرّق في الدين.
وأفضلهم
محمد صلى الله عليه وسلم كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ [32]
ولما التقى بهم في الإسراء أَمَّهم في الصلاة، فإبراهيم إمام الحنفاء
صلى وراء محمد صلى الله عليه وسلم ، ومعلوم أنه لايقدم في الإمامة إلا
الأفضل،فالنبي صلى الله عليه وسلم هو أفضل أولي العزم.

والثاني:
إبراهيم الخليل عليه السلام
يلي مرتبة النبي صلى الله عليه وسلم الذي قال الله فيه: (وَاتَّخَذَ
اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً)(النساء: الآية125) والذي ابتلاه الله
تعالى ببلية لايصبر عليها إلا أولو العزم.
وقصّة ابتلاء إبراهيم عليه الصلاة والسلام أنه أتاه
ابناً على كبر، ومعلوم أنه إذا أتى الفريد الوحيد ابنٌ على كبر، سيكون
في قلب أبيه في غاية المحبة للبشر، لما بلغ معه السعي فلم يكن طفلاً
لايهتم به، ولم يكن كبيراً انفرد بنفسه بل بلغ السعي، أي بدأ يمشي معه،
تعلق قلبه به تماماً فامتحنه الله تعالى، بأن رأى في المنام أنه يذبح
ابنه، ورؤيا الأنبياء وحي، فقال له: يابني إني أرى في المنام أني أذبحك
فانظر ماذا ترى، فلم يخيره لكن أراد أن يمتحنه، فجاء الابن في غاية ما
يكون من الامتثال والانقياد فقال: يا أبتِ افعل ما تؤمر، لم يقل يا أبت
اذبحني، بل قال: افعل ما تؤمر حتى ينبّهه أنه يفعل هذا امتثالاً لأمر
الله عزّ وجل ، افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين، فلم يجزم،
بل قال: إن شاء الله، كما قال الله تعالى: (وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَداً*إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ)
[الكهف:23-24] فاتفق الأب والابن على الاستجابة لأمر الله، فلما أسلما
أي استسلما لأمر الله، وتلّه أي أبوهُ للجبين أي على الأرض والجبين:
الجبهة، وإنما تلّه على الجبين دون أن يذبحه مستلقياً لئلا يرى وجه ابنه
والسكين تلوح على رقبته، فيخفف هو عن نفسه ويخفف أيضاً على الابن، فلما
تلّه للجبين جاء الفرج من الله عزّ وجل ، فرّج الله تعالى عنه: (وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ*قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) [الصافات:104-105].

هذه المحبة لهذا الابن وهذا الابتلاء وهذا الامتثال التام


يدل على أن
محبة
الله في قلب إبراهيم عليه السلام أعظم من محبة الولد، فكان إبراهيم خليل
الله عزّ وجل ، أعطاه الله الخلة. والخلّة: هي أعظم أنواع المحبة، والمحبة
أنواعها عشرٌ، وقيل سبع، لكن أعلاها الخلّة، وفي هذا يقول الشاعر
لمعشوقته:
قدْ تخلَّلتِ مسلك الرّوحِ منّي وبذا سُمِّيَ الخليلُ خَليلا

لأن محبته تخللت مسلك الروح، العروق والعظام والمخ وكل شيء.

ففي قوله: (
وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً)(النساء: الآية125) دليل على أن إبراهيم بالنسبة لله عزّ وجل ، أعلى مايكون من المحبوب، ففيه إثبات المحبة.
وقال المحرّفون الذين يقولون: إن الله لايحب: إن قوله
تعالى: (وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً) مأخوذ من الخِلّة
بالكسر، يعني الافتقار ومعنى (وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ
خَلِيلاً) أي فقيراً إليه.

وهذا من التّحريف، فكل إنسان على قولهم يكون خليلاً لله، لأن كل إنسان مفتقر إلى الله عزّ وجل .

ولكن نقول:الخليل هو الذي بلغ غاية المحبة، قال
النبي صلى الله عليه وسلم : إِنَّ اللهَ اِتَّخَذَنِيْ خَلِيْلاً كَمَا
اِتَّخَذَ إِبْرَاهِيْمَ خَلِيْلا، وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذَاً مِنْ
أُمَّتِيْ خَلِيْلاً لاَتَّخّذْتُ أَبَابَكْرخليلاً [33] .


وهناك كلمة شائعة عند الناس:

يقولون: إبراهيم خليل الله، ومحمد حبيب الله وموسى كليم الله،
ولاشك أن محمداً صلى الله عليه وسلم حبيب الله فهو حابّ الله ومحبوب لله ولكن هناك وصف أعلى من ذلك وهو خليل الله،

فالرسول صلى الله عليه وسلم خليل الله.

والذين يقولون محمد حبيب الله قد هضموا حق الرسول صلى الله عليه وسلم،لأن المحبة أقل من الخلة،
ولذلك نقول لا نعلم من البشر خليلاً لله إلا اثنان: إبراهيم ومحمد عليهما الصلاة والسلام،
لكن المحبة كثيرٌ كما قال الله تعالى : (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)(البقرة: الآية195)
و: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً)(الصف: الآية4) وغير ذلك من الآيات.


وقوله: واليوم الآخِرِ
اليوم الآخر، هو يوم القيامة،
الإيمان باليوم الآخر يتضمّن: أولاً: الإيمان بوقوعه، وأن الله يبعث من في القبور،
وهو إحياؤهم حين ينفخ في الصور،

ويقوم الناس لرب العالمين، قال تعالى: (ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ) (المؤمنون:16)

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: يُحْشَرُ النَّاسُ يَوْمَ القِيَامَةِ حُفَاةً غُرْلاً[34] ،

وأنه واقع لامحالة، لأن الله تعالى أخبر به في كتابه وكذلك في السنة،
وكثيراً مايقرن الله تعالى بين الإيمان به وبين الإيمان باليوم الآخر،لأن من لم يؤمن باليوم الآخر لايعمل، إذ إنه يرى أن لاحساب.


ثانياً: الإيمان بكل ماذكره الله في كتابه وما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم مما يكون في ذلك اليوم الآخر،
من كون الناس يحشرون يوم القيامة حفاة عراة غرلاً بهماً، أي ليس معهم مال، وهذا كقوله تعالى: (كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ ) (الانبياء: الآية104)

.
ثالثاً: الإيمان بما ذكر في اليوم الآخر من الحوض والشفاعة والصراط والجنة والنار فالجنة دار النعيم، والنار دار العذاب الشديد.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله- في العقيدة الواسطية:
ومن الإيمان باليوم الآخر الإيمان بكل ما أخبر به النبي صلى الله عليه
وسلم يكون بعد الموت مثل الفتنة في القبر فإن الناس يفتنون في قبورهم
ويسألون عن ثلاثة أشياء: من ربك ؟ وما دينك؟ ومن نبيّك؟



رابعاً: الإيمان بنعيم القبر وعذابه، لأن ذلك ثابت بالقرآن والسنة وإجماع السلف.


وهنا ننبّه على ما نسمعه من قول بعض الناس
أو نقرأه في بعض الصحف إذا مات إنسان قالوا
: انتقل إلى مثواه الأخير.
وهذا غلط عظيم، ولولا أننا نعلم مراد قائله لقلنا: إنه ينكر البعث،
لأنه إذا كان القبر مثواه الأخير،فهذا يتضمن إنكار البعث،
فالمسألة خطيرة لكن بعض الناس إمّعة، إذا قال الناس قولاً أخذ به وهو لايتأمل في معناه.

--
وَتُؤْمِنُ بِالقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرّهِ

وهنا أعاد صلى الله عليه وسلم الفعل: (تؤمن) لأهمية الإيمان بالقدر، لأن الإيمان بالقدر مهم جداً وخطير جداً.
والإيمان بالقدر يتضمّن أربعة أمور:-

الأول : أن تؤمن بعلم الله المحيط بكل شيء جملة وتفصيلاً.
دليل ذلك: عموم الأدلة مثل قول الله تعالى: (وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)(البقرة: الآية282)
وخصوص العلم بالغيب، وقد قال موسى عليه الصلاة والسلام: (لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسَى)(طـه: الآية52) أي لايجهل ولاينسى ما علم.
وقد ذكر الله عزّ وجل العلم في آيات كثيرة جملة وتفصيلاً:
قال الله عزّ وجل في الجملة: (وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) [البقرة:282]،
وقال تعالى: (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ
سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ
بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
) (الطلاق: الآية12)
أي أخبرنا كم بهذا : (لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاَطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً)(الطلاق: الآية12) هذا مجمل.

أما التفصيل فقال الله تعالى: (وَعِنْدَهُ
مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي
الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا
)(الأنعام: الآية59)
كلمة ما اسم موصول، وكل اسم موصول فهو مفيد للعموم، فكل شيء في البرّ الله سبحانه وتعالى يعلمه،

وكذلك كل شيء في البحر فالله سبحانه وتعالى يعلمه،
وقوله تعالى: (وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ) أي ورقة في أي شجرة إلا يعلمها: يعلم متى سقطت، وأين سقطت، وكيف سقطت:[size=16]
(وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلاَّ
فِي كِتَابٍ مُبِينٍ)(الأنعام: الآية59) أي حبة، سواء كانت كبيرة،

أو صغيرة في ظلمات الأرض إلا يعلمها الله عزّ وجل ،

فإذا قدرنا أن حبة بر غاصت في قاع البحر، ففوقها طين، وفوق الطين ماء،

وكان ذلك ليلاً أي في ظلمة الليل، وكانت السماء ممطرة، والغيوم متلبدة،

فهذا ظلمة المطر وظلمة الغيوم وكان الجو مغبرّاً، هذا أيضاً ظلمة،
فيعلم الله عزّ وجل الحبة في ظلمات الأرض ولا رطبٍ ولايابسٍ إلا في كتاب مبين
وإذا حقق العبد الإيمان بعلم الله، وأنه جلّ وعلا محيطٌ بكل شيء
أوجب له الخوف من الله، وخشيته، والرغبة فيما عنده جل وعلا ، لأن كل حركة تقوم بها فالله يعلمها.


ثانياً: الإيمان بأن الله تعالى كتب في اللوح المحفوظ، مقادير كل شيء إلى يوم القيامة،

قال الله عزّ وجل: (وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ) [يس:12] أي في كتاب،
وقال عزّ وجل : وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ) [الأنبياء:105] وهو اللوح المحفوظ
: (أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ)(الأنبياء: الآية105) ، والآيات في هذا متعددة.


وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الله لما خلق القلم قال له: اِكْتُبْ، قَالَ رَبِّ: وَمَاذَا أَكْتُبُ؟
ولكن كيف يوجه الخطاب إلى الجماد؟
الجواب عن ذلك: نعم،
من الله يصح لأنه هو الذي ينطق الجماد ثم إن الجماد، بالنسبة إلى الله عاقل يصحّ أن يوجه إليه الخطاب،
قال تعالى: (ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ
وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعاً أَوْ
كَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ
) (فصلت:11)
فوجّه الخطاب إليهما، وذكر جوابهما وكان الجواب لجمع العقلاء (طائعين) دون طائعات.

والحاصل أن الله أمر القلم أن يكتب، وقد امتثل القلم، لكنه أشكل عليه ماذا يكتب، فقال: ربي وماذا أكتب ؟
قال: اكتب ماهو كائن إلى يوم القيامة،

فجرى في تلك اللحظة بما هو كائن إلى يوم القيامة - سبحان الله -

من يحصي الحوادث والوقائع إلا الله عزّ وجل ، وهذا اللوح المحفوظ مشتمل عليها.


واللوح المحفوظ لانعرف ماهيته،

من أيّ شيء؛ أمن الخشب، أم من حديد، ولانعرف حجم هذا اللوح ولاسعته،

فالله أعلم بذلك والواجب أن نؤمن بأن هناك لوحاً كتب الله فيه مقادير كل شيء، وليس لنا الحق أن نبحث وراء ذلك.
وقد ظهر في الآونة الأخيرة ما يسمّى بأقراص الليزر يتسع القرص الصغير إلى كتب كثيرة،
وهو من صنع الآدمي، وأقول هذا تقريباً لا تشبيهاً،لأن اللوح المحفوظ أعظم من أن نحيط به.

ثالثاً: أن تؤمن بأن كل ما حدث في الكون فهو بمشيئة الله تعالى،
فلا يخرج شيء عن مشيئته أبداً . ولهذا أجمع المسلمون على هذه الكلمة:
ماشاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، فأي شيء يحدث فهو بمشيئة الله.



وهذا عام، لما يفعله عزّ وجل بنفسه وما يفعله العباد،فكله بمشيئة الله،
ودليل ذلك قول الله عزّ وجل : (وَلَوْ
شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا
جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ
وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ
اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ
)(البقرة: الآية253)
وقال عزّ وجل: (وَلَوْ شَاءَ ربك مَا فَعَلُوهُ) [الأنعام:112] وقال: (وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا فَعَلُوهُ) [الأنعام:137]
وقال عزّ وجل: (لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ*وَمَا تَشَاءُونَ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) [التكوير:29،28]
فكل ماحدث في الكون فهو بمشيئة الله،
وإذا آمن الإنسان بهذا سلم من عمل الشيطان،
فإذا فعل فعلاً وحصل خلاف المقصود، قال ليتني لم أفعل، فهذا من عمل
الشيطان، لأن الذي فعلته قد شاءه الله عزّ وجل ولابد أن يكون، لكن إن كان
ذنباً فعليك بالتوبة والاستغفار.

رابعاً: الخلق،
ومعناه: الإيمان بأن الله سبحانه وتعالى خلق كل شيء،
فنؤمن بعموم خلق الله تعالى لكل شيء،
قال تعالى(وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً)(الفرقان: الآية2)

فكل شيء مخلوق لله: السموات، والأرضون، والبحار، والأنهار، والكواكب، والشمس، والقمر، الإنسان،


عدل سابقا من قبل زهرة في الثلاثاء يناير 22, 2013 9:03 am عدل 1 مرات
زهرة
زهرة
Admin
Admin

عدد المساهمات : 163
تاريخ التسجيل : 22/09/2012

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الاربعين النوويه : الحديث الثاني(الجزء الثاني) Empty رد: الاربعين النوويه : الحديث الثاني(الجزء الثاني)

مُساهمة من طرف زهرة الخميس ديسمبر 13, 2012 2:51 pm

[size=21][size=21][size=21][size=21][size=21]موعدنا اليوم باذن الله مع الحديث الثاني
في الأربعين النووية ..

[/size][/size][/size][/size]
[/size][b][size=21][size=21]سنتابع ما بداناه في المحاضرة السابقة ..
ونكمل سويا حديث النبي صلى الله عليه وسلم الثاني
[/size]
[/size][/b]قَالَ: فَأَخْبِرني عَنِ الإِيمَانِ قال: أي جبريل، فأخبرني: أي يامحمد عن الإيمان؟
والإيمان في اللغة: هو الإقرار والاعتراف المستلزم للقبول والإذعان وهو مطابق للشرع.

وأما قولهم: الإيمان في اللغة التصديق ففيه نظر، لأنه يقال: آمنت بكذا
وصدقت فلاناً ولايقال: آمنت فلاناً، بل يقال: صدقه، فصدق فعل متعدٍ، وآمن
فعل لازم، وقد ذكر ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - باستفاضة في
كتابه: (كتاب الإيمان.


وقولنا: الإيمان المستلزم للقبول والإذعان احترازاً مما لو أقر
لكن لم يقبل كأبي طالب عم النبي صلى الله عليه وسلم

،حيث أقر بالنبي صلى الله عليه وسلم وأنه صادق لكن لم يقبل ماجاء به
- نسأل الله العافية -

ولم يُذعن ولم يتابع، فلم ينفعه الإقرار، فلابد من القبول والإذعان.



ولذلك يخطئ خطأً كبيراً من يقول: إن أهل الكتاب مؤمنون بالله،
وكيف يكون ذلك وهم لم يقبلوا شرع الله ولم يذعنوا له،
فاليهود والنصارى حين بعث رسول الله كفروا به وليسوا بمسلمين ودينهم دين باطل،
ومن اعتقد أن دينهم صحيح مساوٍ لدين الإسلام فهو كافر خارج عن الإسلام فالإيمان قبولٌ وإذعانٌ.

قَالَ:
الإِيْمَانُ أَنْ تُؤمِنَ بِاللهِ، وَمَلائِكَتِهِ، وَكُتُبِهِ، وَرسله،
وَاليَوْمِ الآخِرِ، وَتُؤْمِنُ بَالقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ


هذه ستّة أشياء:
أَنْ تُؤْمِنَ بِاللهِ الإيمان بالله يتضمن أربعة أشياء:
لأول : الإيمان بوجوده سبحانه وتعالى. فمن أنكر الله تعالى فليس بمؤمن،
ومع ذلك لايمكن أن يوجد أحد ينكر وجود الله تعالى بقرارة نفسه، حتى
فرعون الذي قال لموسى: ما رب العالمين؟ كان مقرّاً بالله، قال له مؤسى: (لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلاءِ إِلاَّ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ ) (الاسراء: الآية102) لكنه جاحد،كما قال الله تعالى: (وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً )(النمل: الآية14)


الثاني : الإيمان بانفراده بالرّبوبية،
أي تؤمن بأنه وحده الرّب وأنه منفرد بالربوبية، والرب هو الخالق المالك المدبر.

فمن الذي خلق السماوات والأرض ؟ الله عزّ وجل .

ومن الذي خلق البشر ؟ الله عزّ وجل .

ومن يملك تدبير السماوات والأرض ؟ الله عزّ وجل .



الثالث : إيمان بانفراده بالألوهية، وأنه وحده الذي لا إله إلا هو لاشريك له، فمن ادعى أن مع الله إلهاً يُعبد فإنه لم يؤمن بالله، فلابد أن تؤمن بانفراده بالألوهية، وإلا فما آمنت به.


الرابع : أن تؤمن بأسماء الله وصفاته بإثبات ما أثبته سبحانه لنفسه في كتابه، أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم من الأسماء والصفات على الوجه اللائق به من غير تحريف، ولاتعطيل ولاتكييف، ولا تمثيل، فمن حرّف آيات الصفات أو أحاديث الصفات فإنه لم يحقق الإيمان بالله .
للقراءة فقط
||

قال قومٌ
(الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) (طـه:5)
استولى،
ومعناه شرعاً ولغة: علا وارتفع على العرش، لكنه علوّ خاص، ليس العلوّ
العام علىجميع المخلوقات. فهذا الذي فسّر (اسْتَوَى) بـ : استولى لم
يحقق الإيمان بالله، لأنه نفى صفة أثبتها الله لنفسه، والواجب إثبات
الصفات.


ومن قال: (لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ
)(صّ: الآية75) أي بقدرتيَّ ، أو: بقوتيَّ وليس لله يد حقيقة لم يحقق
الإيمان بالله، لو حقق الإيمان بالله لقال: لله عزّ وجل يد حقيقية لكن
لاتماثل أيدي المخلوقين،كما قال الله عزّ وجل : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ
)(الشورى: الآية11) لأننا لانحدث عن الله إلاعلى حسب ما أخبرنا الله به
عن نفسه، فإذا كنّا لايمكن أن نتحدث عن شخص لم نرهُ وإن كان عندنا في
البلد، فكيف نتحدث عن الله تعالى بلاعلم.

وإذا قال: إن الله لايتكلم بكلام مسموع،
ولكن كلامه المعنى القائم بنفسه، وما سمعه جبريل فهو مخلوق، أصوات خلقها
الله عزّ وجل لتعبّر عما في نفسه، فهذا ما حقق الإيمان بالله. لأن تفسير
(الكلام) بهذا المعنى يدلّ على أن الله تعالى لايتكلم حقيقة، لأنك إذا
قلت: الكلام هو المعنى القائم بالنفس صار معنى الكلام هو العلم، لا أنه
المسموع، وعلى هذا فقس.


وعلى هذا فجميع المبتدعة في الأسماء
والصفات، المخالفين لما عليه السلف الصالح، لم يحققوا الإيمان بالله، ولا
نقول إنهم غير مؤمنين، فهم مؤمنون لاشك، لكنهم لم يحققوا الإيمان بالله،
والذي فاتهم من الأمور الأربعة هو الرابع: الإيمان بأسماء الله وصفاته،
فلم يحققوا الإيمان به، وهم مخطئون مخالفون لطريق السلف، وطريقتهم ضلال
بلاشكّ، ولكن لايحكم على صاحبه بالضلال حتى تقوم عليه الحجة، فإذا قامت
عليه الحجة، وأصر على خطئه وضلاله، كان مبتدعاً فيما خالف فيه الحق، وإن
كان سلفيّاً فيما سواه، فلا يوصف بأنه مبتدع على وجه الإطلاق، ولا بأنه
سلفيّ على وجه الإطلاق ،بل يوصف بأنه سلفي فيما وافق السلف، مبتدع فيما
خالفهم .


ومن مسائل الأسماء والصفات التي حصل فيها خلاف معنى حديث : أَنَّ اللهَ خَلَقَ آَدَمَ عَلَى صُوْرَتِهِ[25] وضجّوا وارتفعت أصواتهم وكثرت مناقشاتهم، كيف خلق آدم على صورته؟
فحرّفه قومٌ تحريفاً مشيناً مستكرهاً،
وقالوا: معنى الحديث: خَلَقَ اللهُ آدم على صورته أي على صورة آدم - الله
المستعان - هل يمكن لأفصح البشر وأنصح البشر أن يريد بالضمير ضمير
المخلوق، بمعنى خلق آدم على صورته أي على صورة آدم ؟ لايمكن هذا، لأن كل
مخلوق فقد خلق على صورته، وحينئذ لافضل لآدم على غيره. فهذا هراء لامعنى
له، أتدرون لما قالوا هذا التأويل المستكره المشين؟

قالوا: لأنك لو قلت إنها صورة الرب عزّ وجل لمثّلت الله بخلقه، لأن صورة الشيء مطابقةله ، وهذا تمثيل .

وجوابنا على هذا أن نقول : لو أعطيت النصوص حقها لقلت خلق الله آدم على صورة الله ، لكن ليس كمثل الله شيء.

فإن قال قائل: اضربوا لنا مثلاً نقتنع به ، أن الشيء يكون على صورة الشيء وليس مماثلاً له ؟
والجواب نقول: ثبت عن النبي صلى الله
عليه وسلم أنه قال إِنَّ أَوَّلَ زُمْرَةٍ تَدْخُلُ الجَنَّةَ عَلَى
صُوْرَةِ القَمَرِ لَيْلَةِ البَدْرِ ثُمَّ الَّذِيْنَ يَلوُنَهُمْ عَلَى
أَضْوَءِ كَوْكَبٍ فِي السَّمَاءِ[26]
فهل أنت تعتقد أن هؤلاء الذين يدخلون الجنة على صورة القمر من كل وجه أو
تعتقد أنهم على صورة البشر لكن في الوضاءة والحسن والجمال واستدارة
الوجه وما أشبه ذلك على صورة القمر، لامن كل وجه ، فإن قلت بالأول
فمقتضاه أنهم دخلوا وليس لهم أعين وليس لهم أفواه، وإن قلت بالثاني؛ زال
الإشكال وثبت أنه لايلزم من كون الشيء على صورة الشيء أن يكون مماثلاً له
من كل وجه.


فالمهم أن باب الصفات بابٌ عظيمٌ، خطره
جسيم، ولايمكن أن ينفك الإنسان من الورطات والهلكات التي يقع فيها إلا
باتباع السلف الصالح، أثبت ما أثبته الله تعالى لنفسه، وانْفِ مانفى الله
عن نفسه، فتستريح.


هل تبحث في أمر يكون البحث فيه تعمّقاً وتنطّعاً ؟
الجواب: لا تبحث.
وقد سُئِل الإمام مالك - رحمه الله - عن قول الله تعالى: (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) [طه:5] كيف استوى؟
فأطرق - رحمه الله - برأسه وجعل يتصبب
عرقاً من ثقل ما ألقي عليه وتعظيمه الرب جل وعلا، ثم رفع رأسه وقال:
(الاستواء غير مجهول) أي أنه معلوم في اللغة العربية، استوى على كذا: أي
علا عليه واستقرّ، وكل ما ورد في القرآن والسنةوكلام العرب أن (استوى) إذا
تعدّت بـ (على) فمعناه العلو وقوله: (والكيف غير معقول) أي معناه: أنّا
لاندرك كيفية استواء الله على عرشه بعقولنا: وإنما طريق ذلك السمع.
وقوله: (الإيمان به واجب) معناه : أن الإيمان باستواء الله على عرشه على
الوجه اللائق واجب. (والسؤال عنه بدعة) معناه : أن السؤال عن كيفية
الاستواء بدعة، لأن مثل هذا السؤال لم يسأل عنه الصحابة رضي الله عنهم
النبي صلى الله عليه وسلم وهم أشد منا حرصاً على معرفة الله عزّ وجل ،
والمجيب لو سألوه فهو أعلم منا بالله تعالى، ومع ذلك لم يقع السؤال، أفلا
يسعنا ما وسعهم ؟

الجواب: بلى، فيجب على المسلم أن يسعه ما وسع السلف الصالح، فلا يسأل.
ثم قال الإمام مالك - رحمه الله- : (ما
أراك) أي ما أظنك (إلامبتدعاً) تريد أن تفسد على الناس دينهم، ثم أمر به
فأُخرج من المسجد، أي مسجد النبي صلى الله عليه وسلم ، ولم يقل: والله
لاأستطيع إخراجه، أخشى أن أدخل في قوله تعالى: (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ
مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ )(البقرة:
الآية114) لأني أمنع هذا من دخول المسجد، لأنه لم يدخل ليذكر فيه اسم
الله، بل دخل ليفسد عباد الله، ومثل هذا يمنع.

فإذا كان الذي يأكل الثوم والبصل يمنع
من دخول المسجد، فكيف بمن يفسد على الناس أديانهم،أفلا يكون أحقّ بالمنع؟
بلى والله، ولكن كثيراً من الناس غافلون.

على كلّ حال هذا المقام مقام عظيم، لكني أحذركم أن تتعمّقوا في باب الأسماء والصفات، وأن تسألوا عما لاحاجة لكم به
يقول بعض الناس: الله
تعالى له أصابع، ويقول المحرفون: ليس له أصابع، والمراد بقوله: إنَّ
قُلُوْبَ بَنِيْ آدَمَ بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ[27]
كمال السيطرة والتدبير، سبحانَ الله، أأنتم أعلم أم رسول الله؟ نفوا
الأصابع لظنهم أن إثباتها يستلزم التمثيل، فمثلوا أولاً وعطّلوا ثانياً،
فجمعوا بين التمثيل والتعطيل.

وجاء آخرون فقالوا: قلوب بني آدم بين
أصبعين من أصابع الرحمن، وأمسك المسواك بين أصابعه وقال: بين أصبعين من
أصابع الرحمن. قطع الله هاتين الأصبعين. فهل يحلّ هذا ؟

الجواب: لا يحل، أولاً: هل تعلم أن أصابع الله تعالى خمسة: إبهام وسبابة ووسطى وبنصر وخنصر؟ لا تعلم .
ثانياً: هل تعلم أن كون القلوب بين
أصبعين من أصابع الرحمن: بين الإبهام والسبابة، أو بين الإبهام والوسطى،
أو بين الإبهام والبنصر، أو بين الإبهام والخنصر؟ كيف تقول على الله ما
لاتعلم، أم على الله يفترون، فمثل هذا يستحق أن يؤدّب لأنه قال على الله
ما لا يعلم.

فقالوا: أليس النبي صلى الله عليه وسلم لما قال: وَكَانَ اللهُ سَمِيعَاً بَصِيرَا وضع إبهامه وسبابته على العين والأذن[28]
نقول: بلى، لكن أنت لست رسولاً حتى تفعل هذا، ثم المقصود من وضع الرسول صلى الله عليه وسلم أصبعيه تحقيق السمع والبصر فقط.
وأكرر أن باب الصفات باب عظيم، احذر أن تزل، فتحت رجلك هوّة، فالأمر صعب جداً.
يقول آخرون في قول الله تعالى:
(وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ )(الزمر: الآية67)
فيشير بيده قابضاً لها على شيء - أعوذ بالله - والآخرون يقولون: قبضته أي
تحت تصرفه، والفرق بينهما عظيم.

فعلى كل حال، أكرر:احذروا باب الصفات أن تخوضوا في شيءٍ لم يتكلم فيه السلف الصالح.
يقول بعض العلماء: من لم يسعه ما وسع الصحابة والتابعين فلا وسّع الله عليه.
||||

قوله: وَمَلائِكَتِهِ


بدأ بالملائكة قبل الرسل والكتب لأنهم عالم غيبي، أما الرسل والكتب فعالم محسوس، فالملائكة لا يظهرون بالحس إلا بإذن الله عزّ وجل ،
وقد خلق الله الملائكة من نورٍ،
كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم وهم لايحتاجون إلى أكل وشرب،
ولهذا قيل إنهم صمدٌ أي ليس لهم أجواف،
فلا يحتاجون إلى أكل ولا شرب، فنؤمن أن هناك عالماً غيبياً هم الملائكة.

وهم أصناف، ووظائفهم أيضاً أصناف حسب حكمة الله عزّ وجل كالبشر أصناف ووظائفهم أصناف.

والإيمان بالملائكة يتضمّن:
أولاً : الإيمان بأسماء من علمنا أسماءهم،أن نؤمن بأن هناك ملَكاً اسمه كذا مثل جبريل.

ثانياً : أن نؤمن بما لهم من أعمال، مثلاً:
جبريل: موكل بالوحي، ينزل به من عند الله إلى رسله.
وميكائيل: موكل بالقطر أي المطر، والنبات أي نبات الأرض.
وإسرافيل: موكل بالنفخ في الصور .

هؤلاء الثلاثة كان النبي صلى الله عليه وسلم يذكرهم عندما
يستفتح صلاة الليل فيقول: اللَّهُمَّ رَبَّ جِبْرَائِيْلَ وَمِيْكَائِيْلَ وَإِسْرَافِيْلَ [29]

والحكمة من هذا : أن كل واحد منهم موكل بحياة:
فجبريل موكل بالوحي وهو حياة القلوب كما قال عزّ وجل : (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا)(الشورى: الآية52)
وميكائيل موكل بالقطر والنبات وهو حياة الأرض،
وإسرافيل موكل بالنفخ في الصور وهو حياة الناس الحياة الأبدية.

والمناسبة ظاهرة، لأنك إذا قمت من
النوم فقد بعثت من موت كما قال تعالى: [وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ
بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ
فِيهِ ) (الأنعام: الآية60)] وقال عزّ وجل: (اللَّهُ يَتَوَفَّى
الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا
فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى
إِلَى أَجَلٍ مُسَمّى)(الزمر: الآية42)

إذا كان القيام من الليل بعثاً وهؤلاء الملائكة الثلاثة الكرام كلهم موكلون بحياة،صارت المناسبة واضحة.

كذلك يجب الإيمان بما لبعض الملائكة من أعمال خاصة، فمثلاً:
هناك ملائكة وظائفهم أن يكتبوا أعمال العباد، قال الله عزّ وجل: (وَلَقَدْ
خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ
وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ * إِذْ يَتَلَقَّى
الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ*مَا يَلْفِظُ
مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ
) [ق:16-18]

فهؤلاء موكلون بكتابة أعمال بني آدم،
وقال الله عزّ وجل أيضاً في آية أخرى( كَلاَّ بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ*وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ كراما كاتبين) [الأنفطار:9-11] يكتبون كل قول يقوله الإنسان،
وظاهر الآية الكريمة أنهم يكتبون ما
للإنسان وما عليه وما ليس له ولا عليه، وجه كون هذا هو الظاهر: أن قوله
عزّ وجل ( مِنْ قَوْلٍ) نكرة في سياق النفي مؤكّدة بـ: (من) فتفيد
العموم، لكن ماليس له ولا عليه لايحاسب عليه وإنما يقال إنه فاته خير
كثير.

وذُكر أن رجلاً
دخل على الإمام أحمد بن حنبل - رحمه الله- فقيه المحدّثين ومحدث
الفقهاء وإمام أهل السنة، دخل عليه وهو يئن من الوجع، فقال له: يا أبا عبد
الله تئنّ وقد قال طاوس: إن الملك يكتب حتى أنين المريض، فأمسك الإمام
أحمد - رحمه الله تعالى - عن الأنين، وهذا من تعظيم آثار السلف عند السلف.

ومن الملائكة من هم موكلون بالسياحة في الأرض يلتمسون حِلَق الذّكر والعلم فإذا وجدوها جلسوا.
ومنهم ملائكة موكلون بحفظ بني آدم.
ومنهم ملائكة موكلون بقبض روح بني آدم.
ومنهم ملائكة موكلون بسؤال الميت في قبره.
ومنهم ملائكة موكلون بتلقّي المؤمنين يوم القيامة( وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ )(الانبياء: الآية103)
ومنهم ملائكة موكلون بتحية أهل الجنة كما قال تعالى في كتابه: (وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَاب ٍ * سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ) (الرعد:23-24)
ومنهم ملائكة يعبدون الله عزّ وجل ليلاً ونهاراً، كما قال سبحانه وتعالى: (يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لا يَفْتُرُونَ) (الانبياء:20)
قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( أَطَّتِ السَّماءُ وَحَقَّ لَهَا أَنْ تَئِطَّ) والأطيط : هو صرير الرحل على البعير إذا كان الحمل ثقيلاً،
فيقول صلى الله عليه وسلم : ( أَطَّتِ
السَّماءُ وَحَقَّ لَهَا أَنْ تَئِطَّ، مَامِنْ مَوْضِعِ أَرْبَعِ
أَصَابِع مِنْهَا إِلاَّ وَفِيْهِ مَلَكٌ قَائِمٌ لِلَّهِ أَوْ رَاكِعٌ
أَوْ سَاجِد
)
---

وَكُتُبِهِ

جمع كتاب بمعنى: مكتوب
والمراد بها الكتب التي أنزلها الله عزّ وجل على
رسله لأنه ما من رسول إلا أنزل الله عليه كتاباً

كما قال الله عزّ وجل : (كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النبيينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ ) (البقرة:213)
وقال عزّ وجل: (وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا) أي إبراهيم ونوح: (النُّبُوَّةَ وَالْكِتَاب) [الحديد:26]

واعلم أن جميع الكتب السابقة منسوخة بما له هيمنة عليها وهو القرآن،

قال الله عزّ وجل: (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ)(المائدة: الآية48)

كل الكتب منسوخة بالقرآن،فلا يُعمل بها شرعاً.

واختلف العلماء - رحمهم الله - فيما ثبت في شرائع من قبلنا،
هل نعمل به إلا أن يرد شرعنا بخلافه، أو لا نعمل به؟

من العلماء من قال: إن شرع من قبلنا شرع لنا مالم يرد شرعنا بخلافه،
وذلك أن ماسبق من الشرائع:

.1إما أن توافقه شريعتنا
.2 وإما أن تخالفه شريعتنا
.3 وإما أن لاندري توافقه شريعتنا أم لا فيكون مسكوتاً عنه
فما وافقته شريعتنا فهو حق ونتبعه، وهذا بالإجماع، واتباعنا إياه لا لأجل وروده في الكتاب السابق ولكن لشريعتنا.

- وما خالف شريعتنا فلا نعمل به بالاتفاق، لأنه منسوخ، ومثاله لايحرم
على الناس أكل الإبل في وقتنا مع أنها على بني إسرائيل - اليهود خاصة -
كانت محرمة.
- وما لم يرد شرعنا بخلافه ولا وفاقه فهذا محل الخلاف: منهم من قال: إنه
شرع لنا. ومنهم من قال: ليس بشرعٍ لنا، ولكل دليل، وتفصيل ذلك في أصول
الفقه.

والإيمان بالكتب يتضمّن أربعة أمور:

أولاً : أن نؤمن بأن الله تعالى أنزل على الرسل كتباً، وأنها من عند الله

ولكن لانؤمن بأن الكتب الموجودة في أيدي هذه الأمم هي الكتب التي من عند الله لأنها محرّفة ومبدلة،

لكن أصل الكتاب المنزل على الرسول نؤمن بأنه حق من عند الله.

ثانياً : أن نؤمن بصحة ما فيها من أخبار كأخبار القرآن وأخبار ما لم يبدل أو يحرّف من الكتب السابقة.

ثالثاً : أن نؤمن بما فيها من أحكام إذا لم تخالف الشريعة على القول بأن شرع من قبلنا شرع لنا - وهو ا لحق - إذا لم يرد شرعنا بخلافه.

رابعاً : أن نؤمن بما علمنا من أسمائها، مثل: القرآن والتوراة والإنجيل والزبور وصحف إبراهيم وصحف موسى.


فلو قال رجل: أنا لا أومن بأن هناك كتاباً يسمى التوراة،
فإنه كافر، لأن الإيمان بالله يتضمن الإيمان بالكتب.


وَرسُلِهِ

أي أن تؤمن برسل الله عزّ وجل ، والمراد بالرسل من البشر،
وليعلم بأنه يعبر برسول ويعبّر بنبي، فهل معناهما واحد؟
الجواب: أما في القرآن فكل من ذكر من الأنبياء فهو الرسول ،

فكلما وجدت في القرآن من نبي فهو رسول، لكن معنى النبي والرسول يختلف،
والصواب فيه: أن النبي هو من أوحي إليه بشرع وأمر بالعمل به ولكن لم يؤمر
بتبليغه، فهو نبي بمعنى مُخْبَر، ولكن لم يؤمر بالتبليغ. مثاله: آدم عليه
السلام أبو البشر نبي مكلف لكنه ليس برسول، لأن أول الرسل نوح، أما آدم
فنبي كما صح ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم .


فإذا قال قائل: لماذا لم يرسل؟

فالجواب: لأن الناس في ذلك الوقت كانوا أمة واحدة، قليلون وليس بينهم اختلاف،

لم تتسع الدنيا ولم ينتشر البشر فكانوا متّفقين فكفاهم أن يروا أباهم على عبادة ويتبعوه،
ثم لما حصل الخلاف وانتشر الناس احتيج إلى الرسل، كما قال الله عزّ وجل : (كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النبيينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ)(البقرة: الآية213)
فإذا قال قائل: ما الفائدة من النبي صلى الله عليه وسلم بعد آدم عليه السلام
إذا كان لم يؤمر بالتبليغ ؟

قلنا الفائدة: تذكير الناس بالشريعة التي نسوها، وفي هذا لا يكون الإعراض
من الناس تاماً فلا يحتاجون إلى رسول ،ويكفي النبي صلى الله عليه وسلم
الذي يذكرهم بالشريعة، قال الله تعالى: (
إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدىً وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النبيونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا )(المائدة:
الآية44) هذه هي الفائدة من النبي صلى الله عليه وسلم ، لأن هذا الإيراد
إيراد قوي وهو ما الفائدة من النبوة بلا رسالة؟ والجواب ماسبق. ولهذا
جاء في حديث لكنه ضعيف: عُلَمَاءُ أُمَّتِيْ كَأَنْبِيَاءِ بَنِيْ
إِسْرَائِيْل[31] معناه صحيح لكنه ضعيف من حيث إنه مسند إلى النبي صلى الله عليه وسلم .

وأوّل الرسل نوح عليه السلام،
وآخرهم محمد صلى الله عليه وسلم،
واعلم بأنك ستجد في بعض كتب التاريخ أن إدريس عليه الصلاة والسلام كان
قبل نوح عليه السلام، وأن هناك بعضاً آخرين مثل شيث، كل هذا كذبٌ وليس
بصحيح.
فإدريس بعد نوح قطعاً،

وقد قال بعض العلماء: إن إدريس من الرسل في بني إسرائيل،

لأنه دائماً يذكر في سياق قصصهم، لكن نعلم علم اليقين أنه ليس قبل نوح،

والدليل
قول الله تعالى: (إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنبيينَ مِنْ بَعْدِهِ ) (النساء: الآية163) وقال الله عزّ وجل: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ) (الحديد: الآية26) فأرسلهم الله وهم القمة،
وجعل في ذريتهما النبوة والكتاب،
فمن زعم أن إدريس قبل نوح فقد كذب القرآن وعليه أن يتوب إلى الله من هذا الاعتقاد.

والرسل عليهم الصلاة والسلام هم أعلى طبقات البشر الذين أنعم الله عليهم،

قال الله تعالى: (وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ
وَالرسول فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ
النبيينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ
) (النساء: الآية69)
هذه أربعة أصناف. النبيون يدخل فيهم الرسل وهم أفضل من الأنبياء، ثم
الرسل أفضلهم خمسة هم أُوُلو العزم، ذكروا في القرآن في موضعين في سورة
الأحزاب وفي سورة الشورى: ففي سورة الأحزاب قال الله تعالى: (وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النبيينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى) (الأحزاب: الآية7) وفي سورة الشورى قال الله تعالى: (شَرَعَ
لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا
إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ
أَقِيمُوا الدِّين
)(الشورى: الآية13) فسبحان الله ، هذه وصية من الله للأولين والآخرين : (أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا ) (الشورى: الآية13) فهي وصية بإقامة الدين وعدم التفرّق في الدين.
وأفضلهم
محمد صلى الله عليه وسلم كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ [32]
ولما التقى بهم في الإسراء أَمَّهم في الصلاة، فإبراهيم إمام الحنفاء
صلى وراء محمد صلى الله عليه وسلم ، ومعلوم أنه لايقدم في الإمامة إلا
الأفضل،فالنبي صلى الله عليه وسلم هو أفضل أولي العزم.

والثاني:
إبراهيم الخليل عليه السلام
يلي مرتبة النبي صلى الله عليه وسلم الذي قال الله فيه: (وَاتَّخَذَ
اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً)(النساء: الآية125) والذي ابتلاه الله
تعالى ببلية لايصبر عليها إلا أولو العزم.
وقصّة ابتلاء إبراهيم عليه الصلاة والسلام أنه أتاه
ابناً على كبر، ومعلوم أنه إذا أتى الفريد الوحيد ابنٌ على كبر، سيكون
في قلب أبيه في غاية المحبة للبشر، لما بلغ معه السعي فلم يكن طفلاً
لايهتم به، ولم يكن كبيراً انفرد بنفسه بل بلغ السعي، أي بدأ يمشي معه،
تعلق قلبه به تماماً فامتحنه الله تعالى، بأن رأى في المنام أنه يذبح
ابنه، ورؤيا الأنبياء وحي، فقال له: يابني إني أرى في المنام أني أذبحك
فانظر ماذا ترى، فلم يخيره لكن أراد أن يمتحنه، فجاء الابن في غاية ما
يكون من الامتثال والانقياد فقال: يا أبتِ افعل ما تؤمر، لم يقل يا أبت
اذبحني، بل قال: افعل ما تؤمر حتى ينبّهه أنه يفعل هذا امتثالاً لأمر
الله عزّ وجل ، افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين، فلم يجزم،
بل قال: إن شاء الله، كما قال الله تعالى: (وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَداً*إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ)
[الكهف:23-24] فاتفق الأب والابن على الاستجابة لأمر الله، فلما أسلما
أي استسلما لأمر الله، وتلّه أي أبوهُ للجبين أي على الأرض والجبين:
الجبهة، وإنما تلّه على الجبين دون أن يذبحه مستلقياً لئلا يرى وجه ابنه
والسكين تلوح على رقبته، فيخفف هو عن نفسه ويخفف أيضاً على الابن، فلما
تلّه للجبين جاء الفرج من الله عزّ وجل ، فرّج الله تعالى عنه: (وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ*قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) [الصافات:104-105].

هذه المحبة لهذا الابن وهذا الابتلاء وهذا الامتثال التام


يدل على أن
محبة
الله في قلب إبراهيم عليه السلام أعظم من محبة الولد، فكان إبراهيم خليل
الله عزّ وجل ، أعطاه الله الخلة. والخلّة: هي أعظم أنواع المحبة، والمحبة
أنواعها عشرٌ، وقيل سبع، لكن أعلاها الخلّة، وفي هذا يقول الشاعر
لمعشوقته:
قدْ تخلَّلتِ مسلك الرّوحِ منّي وبذا سُمِّيَ الخليلُ خَليلا

لأن محبته تخللت مسلك الروح، العروق والعظام والمخ وكل شيء.

ففي قوله: (
وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً)(النساء: الآية125) دليل على أن إبراهيم بالنسبة لله عزّ وجل ، أعلى مايكون من المحبوب، ففيه إثبات المحبة.
وقال المحرّفون الذين يقولون: إن الله لايحب: إن قوله
تعالى: (وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً) مأخوذ من الخِلّة
بالكسر، يعني الافتقار ومعنى (وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ
خَلِيلاً) أي فقيراً إليه.

وهذا من التّحريف، فكل إنسان على قولهم يكون خليلاً لله، لأن كل إنسان مفتقر إلى الله عزّ وجل .

ولكن نقول:الخليل هو الذي بلغ غاية المحبة، قال
النبي صلى الله عليه وسلم : إِنَّ اللهَ اِتَّخَذَنِيْ خَلِيْلاً كَمَا
اِتَّخَذَ إِبْرَاهِيْمَ خَلِيْلا، وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذَاً مِنْ
أُمَّتِيْ خَلِيْلاً لاَتَّخّذْتُ أَبَابَكْرخليلاً [33] .


وهناك كلمة شائعة عند الناس:

يقولون: إبراهيم خليل الله، ومحمد حبيب الله وموسى كليم الله،
ولاشك أن محمداً صلى الله عليه وسلم حبيب الله فهو حابّ الله ومحبوب لله ولكن هناك وصف أعلى من ذلك وهو خليل الله،

فالرسول صلى الله عليه وسلم خليل الله.

والذين يقولون محمد حبيب الله قد هضموا حق الرسول صلى الله عليه وسلم،لأن المحبة أقل من الخلة،
ولذلك نقول لا نعلم من البشر خليلاً لله إلا اثنان: إبراهيم ومحمد عليهما الصلاة والسلام،
لكن المحبة كثيرٌ كما قال الله تعالى : (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)(البقرة: الآية195)
و: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً)(الصف: الآية4) وغير ذلك من الآيات.


وقوله: واليوم الآخِرِ
اليوم الآخر، هو يوم القيامة،
وسمي آخراً لأنه آخر مراحل بني آدم وغيرهم أيضاً، فالإنسان له أربع
دور، في بطن أمه، وفي الدنيا، وفي البرزخ، ويوم القيامة وهو آخرها.

الإيمان باليوم الآخر يتضمّن: أولاً: الإيمان بوقوعه، وأن الله يبعث من في القبور،
وهو إحياؤهم حين ينفخ في الصور،

ويقوم الناس لرب العالمين، قال تعالى: (ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ) (المؤمنون:16)

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: يُحْشَرُ النَّاسُ يَوْمَ القِيَامَةِ حُفَاةً غُرْلاً[34] ،

وأنه واقع لامحالة، لأن الله تعالى أخبر به في كتابه وكذلك في السنة،

وكثيراً مايقرن الله تعالى بين الإيمان به وبين الإيمان باليوم الآخر،لأن من لم يؤمن باليوم الآخر لايعمل، إذ إنه يرى أن لاحساب.


ثانياً: الإيمان بكل ماذكره الله في كتابه وما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم مما يكون في ذلك اليوم الآخر،

من كون الناس يحشرون يوم القيامة حفاة عراة غرلاً بهماً، أي ليس معهم مال، وهذا كقوله تعالى: (كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ ) (الانبياء: الآية104)


.

ثالثاً: الإيمان بما ذكر في اليوم الآخر من الحوض والشفاعة والصراط والجنة والنار فالجنة دار النعيم، والنار دار العذاب الشديد.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله- في العقيدة الواسطية:
ومن الإيمان باليوم الآخر الإيمان بكل ما أخبر به النبي صلى الله عليه
وسلم يكون بعد الموت مثل الفتنة في القبر فإن الناس يفتنون في قبورهم
ويسألون عن ثلاثة أشياء: من ربك ؟ وما دينك؟ ومن نبيّك؟



رابعاً: الإيمان بنعيم القبر وعذابه، لأن ذلك ثابت بالقرآن والسنة وإجماع السلف.



وهنا ننبّه على ما نسمعه من قول بعض الناس
أو نقرأه في بعض الصحف إذا مات إنسان قالوا
: انتقل إلى مثواه الأخير.

وهذا غلط عظيم، ولولا أننا نعلم مراد قائله لقلنا: إنه ينكر البعث،
لأنه إذا كان القبر مثواه الأخير،فهذا يتضمن إنكار البعث،
فالمسألة خطيرة لكن بعض الناس إمّعة، إذا قال الناس قولاً أخذ به وهو لايتأمل في معناه.

--
وَتُؤْمِنُ بِالقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرّهِ

وهنا أعاد صلى الله عليه وسلم الفعل: (تؤمن) لأهمية الإيمان بالقدر، لأن الإيمان بالقدر مهم جداً وخطير جداً.
والإيمان بالقدر يتضمّن أربعة أمور:-


الأول : أن تؤمن بعلم الله المحيط بكل شيء جملة وتفصيلاً.

دليل ذلك: عموم الأدلة مثل قول الله تعالى: (وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)(البقرة: الآية282)

وخصوص العلم بالغيب، وقد قال موسى عليه الصلاة والسلام: (
لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسَى)(طـه: الآية52) أي لايجهل ولاينسى ما علم.
وقد ذكر الله عزّ وجل العلم في آيات كثيرة جملة وتفصيلاً:

قال الله عزّ وجل في الجملة: (وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) [البقرة:282]،

وقال تعالى: (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ
سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ
بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
) (الطلاق: الآية12)

أي أخبرنا كم بهذا : (لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاَطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً)(الطلاق: الآية12) هذا مجمل.


أما التفصيل فقال الله تعالى: (وَعِنْدَهُ
مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي
الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا
)(الأنعام: الآية59)

كلمة ما اسم موصول، وكل اسم موصول فهو مفيد للعموم، فكل شيء في البرّ الله سبحانه وتعالى يعلمه،

وكذلك كل شيء في البحر فالله سبحانه وتعالى يعلمه،

وقوله تعالى: (وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ) أي ورقة في أي شجرة إلا يعلمها: يعلم متى سقطت، وأين سقطت، وكيف سقطت:

(وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلاَّ
فِي كِتَابٍ مُبِينٍ)(الأنعام: الآية59) أي حبة، سواء كانت كبيرة،

أو صغيرة في ظلمات الأرض إلا يعلمها الله عزّ وجل ،

فإذا قدرنا أن حبة بر غاصت في قاع البحر، ففوقها طين، وفوق الطين ماء،

وكان ذلك ليلاً أي في ظلمة الليل، وكانت السماء ممطرة، والغيوم متلبدة،

فهذا ظلمة المطر وظلمة الغيوم وكان الجو مغبرّاً، هذا أيضاً ظلمة،

فيعلم الله عزّ وجل الحبة في ظلمات الأرض ولا رطبٍ ولايابسٍ إلا في كتاب مبين

وإذا حقق العبد الإيمان بعلم الله، وأنه جلّ وعلا محيطٌ بكل شيء
أوجب له الخوف من الله، وخشيته، والرغبة فيما عنده جل وعلا ، لأن كل حركة تقوم بها فالله يعلمها.


ثانياً: الإيمان بأن الله تعالى كتب في اللوح المحفوظ، مقادير كل شيء إلى يوم القيامة،

قال الله عزّ وجل: (وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ) [يس:12] أي في كتاب،

وقال عزّ وجل :
)وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ) [الأنبياء:105] وهو اللوح المحفوظ
: (أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ)(الأنبياء: الآية105) ، والآيات في هذا متعددة.



وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الله لما خلق القلم قال له: اِكْتُبْ، قَالَ رَبِّ: وَمَاذَا أَكْتُبُ؟

قَالَ: اكتُبْ مَاهُوَ كَائِنٌ، فَجَرَى فِيْ تِلْكَ السَّاعةِ بِمَاهُوَ كَائِنٌ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ [35] فأمر الله القلم أن يكتب؛

ولكن كيف يوجه الخطاب إلى الجماد؟

الجواب عن ذلك: نعم،

من الله يصح لأنه هو الذي ينطق الجماد ثم إن الجماد، بالنسبة إلى الله عاقل يصحّ أن يوجه إليه الخطاب،

قال تعالى: (ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ
وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعاً أَوْ
كَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ
) (فصلت:11)

فوجّه الخطاب إليهما، وذكر جوابهما وكان الجواب لجمع العقلاء (طائعين) دون طائعات.

والحاصل أن الله أمر القلم أن يكتب، وقد امتثل القلم، لكنه أشكل عليه ماذا يكتب، فقال: ربي وماذا أكتب ؟

قال: اكتب ماهو كائن إلى يوم القيامة،

فجرى في تلك اللحظة بما هو كائن إلى يوم القيامة - سبحان الله -

من يحصي الحوادث والوقائع إلا الله عزّ وجل ، وهذا اللوح المحفوظ مشتمل عليها.



-
واللوح المحفوظ لانعرف ماهيته،

من أيّ شيء؛ أمن الخشب، أم من حديد، ولانعرف حجم هذا اللوح ولاسعته،

فالله أعلم بذلك والواجب أن نؤمن بأن هناك لوحاً كتب الله فيه مقادير كل شيء، وليس لنا الحق أن نبحث وراء ذلك.

وقد ظهر في الآونة الأخيرة ما يسمّى بأقراص الليزر يتسع القرص الصغير إلى كتب كثيرة،
وهو من صنع الآدمي، وأقول هذا تقريباً لا تشبيهاً،لأن اللوح المحفوظ أعظم من أن نحيط به.


ثالثاً: أن تؤمن بأن كل ما حدث في الكون فهو بمشيئة الله تعالى،

فلا يخرج شيء عن مشيئته أبداً . ولهذا أجمع المسلمون على هذه الكلمة:
ماشاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، فأي شيء يحدث فهو بمشيئة الله.



وهذا عام، لما يفعله عزّ وجل بنفسه وما يفعله العباد،فكله بمشيئة الله،
ودليل ذلك قول الله عزّ وجل : (وَلَوْ
شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا
جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ
وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ
اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ
)(البقرة: الآية253)
وقال عزّ وجل: (وَلَوْ شَاءَ ربك مَا فَعَلُوهُ) [الأنعام:112] وقال: (وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا فَعَلُوهُ) [الأنعام:137]
وقال عزّ وجل: (لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ*وَمَا تَشَاءُونَ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) [التكوير:29،28]
فكل ماحدث في الكون فهو بمشيئة الله،
وإذا آمن الإنسان بهذا سلم من عمل الشيطان،
فإذا فعل فعلاً وحصل خلاف المقصود، قال ليتني لم أفعل، فهذا من عمل
الشيطان، لأن الذي فعلته قد شاءه الله عزّ وجل ولابد أن يكون، لكن إن كان
ذنباً فعليك بالتوبة والاستغفار.

رابعاً: الخلق،

ومعناه: الإيمان بأن الله سبحانه وتعالى خلق كل شيء،

فنؤمن بعموم خلق الله تعالى لكل شيء،

قال تعالى(وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً)(الفرقان: الآية2)

فكل شيء مخلوق لله: السموات، والأرضون، والبحار، والأنهار، والكواكب، والشمس، والقمر، الإنسان،
زهرة
زهرة
Admin
Admin

عدد المساهمات : 163
تاريخ التسجيل : 22/09/2012

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الاربعين النوويه : الحديث الثاني(الجزء الثاني) Empty رد: الاربعين النوويه : الحديث الثاني(الجزء الثاني)

مُساهمة من طرف زهرة الخميس ديسمبر 13, 2012 2:53 pm

وإذا تركها عمداً فهل يقضيها أو لا ؟
نقول: الموقت لا يقضى، فلو ترك الصلاة حتى خرج وقتها بلا عذر قلنا لا تقضها،
لأنه لو قضاها لم تنفعه لقول الله تعالى: (وَمَنْ
يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ)(البقرة:
الآية229) والظالم لا يمكن أن يقبل منه،

ومن أخرج الصلاة عن وقتها بلاعذر فهو ظالم.ولقول
النبي صلى الله عليه وسلم مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَليْهِ أَمْرُنَا
فَهُوَ رَدّ [39] .


وكذلك يقال في الصوم: فلو ترك الإنسان صوم يوم
عمداً بلا عذر ثم ندم بعد أن دخل شوال وأراد أن يقضيه، فإننا نقول له: لا
تقضه، لأنك لو قضيته لم ينفعك، لكونك تعديت حدود الله، ولقول النبي صلى
الله عليه وسلم : مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَليْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ
رَدّ


وعلى من ترك الصلاة بلا عذر حتى خرج الوقت،
أوترك الصوم بلا عذر حتى خرج الوقت أن يكثر من الطاعات والاستغفار والعمل
الصالح والتوبة إلى الله توبة نصوحاً.



أما الزكاة:إذا تركها الإنسان ثم تاب فإنه يزكي، نقول: زكِّ لأنه ليس للزكاة وقت محدد يقال فيه لاتزكي إلا في الشهر الفلاني.
ومن مات وهو لم يزكِّ تهاوناً، فهل تخرج الزكاة من ماله، أم لا؟
والجواب: الأحوط -والله أعلم- أن الزكاة تخرج،
لأنه يتعلق بها حق أهل الزكاة فلا تسقط، لكن لاتبرأ ذمته، لأن الرجل مات علىعدم الزكاة.

والحج كذلك، لوتركه الإنسان القادر المستطيع تفريطاً حتى مات، فإنه لايحج عنه، لأنه لايريد الحج فكيف تُحج عنه وهو لايريد الحج.






اقتباس:

وهنا مسألة: هل يجب على ورثته أن يخرجوا الحج عنه من تركته؟
والجواب: لا، لأنه لاينفعه ولم يتعلق به حق الغير كالزكاة،
قال ابن القيم في تهذيب السنن:
هذا هو الذي ندين الله به أوكلمة نحوها، وهو الذي تدل عليه الأدلة.

فيجب على الإنسان أن يتقي الله عزّ وجللأنه إذا مات
ولم يحج مع قدرته على الحج فإنه
لوحُجَّ عنه ألف مرة لم تبرأ ذمته.

.11 الانتقال من الأدنى إلى الأعلى،
فالإسلام بالنسبة للإيمان أدنى،
لأن كل إنسان يمكنأن يسلم ظاهراً،
كما قال الله تعالى: (قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ
لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا ) (الحجرات: الآية14)
لكنالإيمان - اللهم حقق إيماننا- ليس بالأمر الهين فمحله القلب والاتصاف به صعب



هانكمل الفوائد ان شاء الله المرة الجايه عشان نركزز ..



عرفي الإحسآن واذكري مرآتبه .؟ وبم تتحقق عبادة الله ..؟

ما المقصود ب " اماراة الساعه ..؟[size=21]الحُفَاةَ العُرَاةَ العَالَةَ ..؟

[/size]

هل وجد التطاول في البنيان أم لا؟

اذا ترك الإنسان واحداً من هذه أركان الإسلام هل يكفر أم لا؟

وهل تارك الصلاة عمدا عليه القضاء ام لا ..؟

[size=21][b][size=21][size=21]ومن فوآئد الحديث أيضــــــــــآ :
[/size][/size][/b]
12 أن الإسلام غير الإيمان،
لأن جبريل عليه السلام قال
: أخبرني عن الإسلام
وقال: أخبرني عن الإيمان وهذا يدل على التغاير
.

وهذه المسالة نقول فيها ما قال السلف:-

إن ذكر الإيمان وحده دخل فيه الإسلام،

وإن ذكر الإسلام وحده دخل فيه الإيمان،
فقوله تعالى: (وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً )(المائدة: الآية3) يشمل الإيمان،
وقوله تعالى: (فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ )(آل عمران: الآية20) يشمل الإيمان.
كذلك الإيمان إذا ذكر وحده
دخل فيه الإسلام، قال الله تعالى: (وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ)(الصف:
الآية13) بعد أن ذكر (تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ
فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ)(الصف: الآية11) قال:
(وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) [الصف:13.


- أما إذا ذكرا جميعاً فيفترقان ،
ويكون الإسلام بالأعمال الظاهرة من أقوال اللسان وعمل الجوارح،
والإيمان بالأعمال الباطنة من اعتقادات القلوب وأعمالها.
مثاله: هذا الحديث الذي معنا،
ويدل على التفريق قول الله عزّ وجل: (قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ
لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ
الْأِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ )(الحجرات: الآية14).


الحآصل .. ان الإسلام لو ذكر لوحده ، داخل فيه الإيمان
والإيمان لو ذكر لوحده ، دآخل فيه الإسلآم
ولو ذكروا هما الاتنين يفترقوا
فيكون لكل واحد معنى زى ما ذكرنا فوق

13 أن أركان الإيمان ستة كما سبق،
وهذه الأركان تورث للإنسان قوة الطلب في الطاعة والخوف من الله عزّ وجل
.


.14 أن من أنكر واحداً من هذه الأركان الستة فهو كافر،
لأنه مكذّب لما أخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم .


15-
إثبات الملائكة وأنه يجب الإيمان بهم.
وهنا مسألة: هل الملائكة أجسام، أم عقول، أم قوى؟
والجواب: الملائكة أجسام بلا شك،
كما قال الله عزّ وجل: (جَاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً أُولِي أَجْنِحَةٍ)(فاطر: الآية1]

وقال النبي صلى الله عليه وسلم : أطت السماء
والأطيط: صرير الرحل،أي إذا كان على البعير حمل ثقيل، تسمع له صريراً من
ثقل الحمل،فيقول عليه الصلاة والسلام: وحق لها أن تئط، مَا مِنْ مَوْضِعِ
أَرْبَعِ أَصَابِع إِلاَّ وَفِيْهِ مَلَكٌ قَائِمٌ للهِ أَوْ رَاكِعٌ
أَوْ سَاجِد [40]

ويدل لهذا حديث جبريل عليه السلام:
أنه له ستمائة جناح قد سد الأفق، والأدلة على هذا كثيرة.

وأما من قال: إنهم أرواح لا أجسام لهم، فقوله منكر وضلال،
وأشد منه نكارةً من قال: إن الملائكة كناية عن قوى الخير التي في نفس الإنسان،
والشياطين كناية عن قوى الشر، فهذا من أبطل الأقوال.


.16 أنه لابد من الإيمان بجميع الرسل،
فلو آمن أحد برسوله وأنكر من سواه فإنه لم يؤمن برسوله،
بل هو كافر، واقرأ قول الله عزّ وجل: (كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ) (الشعراء:105)

مع أنهم إنما كذبوا نوحاً ولم يكن قبله رسول،
لكن تكذيب واحد من الرسل تكذيب للجميع.
وكذلك تكذيب واحد من الكتب في أنه نزل من عند الله تكذيب للجميع.




.17 إثبات اليوم الآخر الذي هو يوم القيامة الذي يبعث الناس فيه للحساب والجزاء،
حيث يستقر أهل الجنة في منازلهم، وأهل النار في منازلهم.

وقد أنكر البعث كل المشركين،
قال الله عزّ وجل: (وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ)
(يّـس:78) أي يتفتت،

فأجاب الله عزّ وجل بأن أمر نبيه أن يقول:
( قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ) (يّـس:79) فهذا دليل،

ووجه كونه دليلاً:
أن القادر على الإيجاد قادر على الإعادة،
وقال الله تعالى: (وَهُوَ الَّذِي يَبْدأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْه)(الروم: الآية27)

فإذا كان ابتداء الخلق هيناً وأنتم أيها المشركون تقرون به فإعادته أهون،
والكل هين على الله عزّ وجل وهذا الدليل الأول في الرد على منكري البعث.



الدليل الثاني:
قوله تعالى: (وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ) يعلم كيف يخلق عزّ وجل ويقدر على خلقه،
فكيف تقولون إن هذا ممتنع؟
ثم قال تعالى: (الذي جعل لكم) [يس:80]
أي جعل لكم أيها المنكرون ولغيركم، (مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَاراً )(يّـس: الآية80)
معنى الآية: أن في بلاد الحجاز شجراً يقال له المرخ والعفار يضربونه بالزند ثم يشتعل ناراً،
مع أ نه أخضر ورطب وبارد أبعد ما يكون عن النار، ومع ذلك تخلق منه ا لنار،
فالقادر على أن يخلق من الشيء ضده قادر على أن يعيد
الشيء نفسه، ثم قال سبحانه وتعالى: (فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ
تُوقِدُونَ)(يّـس: الآية80) وهذا إلزام لهم، وليس أمراً غريباً عليكم بل
أنتم تستعملونه.


الدليل الثالث: من الأدلة في الرد على منكري البعث قول الله تعالى
: (أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ) (يّـس:81)

فالجواب: (بَلَى) [يس:81] وقد أجاب سبحانه وتعالى نفسه،
لأن خلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس ( وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ)[يس:81]
أي ذو الخلق التام مع القدرة التامة : (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) (يّـس:82) من كان أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون،
فلا يعجزه شيء، فإن أمر موجوداً أن يعدم عدِم، أومعدوماً أن يوجد وُجِد مهما كان.




وفي قصة موسى عليه السلام لما وقف على البحر العميق
أمره الله تعالى أن يضرب البحر فضربه مرة واحدة فانفلق
وصار اثني عشر طريقاً يبساً في الحال،
فمن يقدر على أن يمايز بين الماء؟
لا يقدر أحد إلاالله عزّ وجل لأنه إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون.

وبهذه المناسبة أودّ أن أنبّه على كلمة دارجة عند العوام،
حيث يقولون (يا من أمره بين الكاف والنون) وهذا غلط عظيم،

والصواب: (يا من أمره بعد الكاف والنون) لأن ما بين الكاف والنون ليس أمراً،
فالأمر لا يتم إلا إذا جاءت الكاف والنون
لأن الكاف المضمومة ليست أمراً والنون كذلك، لكن باجتماعهما تكون أمراً.
فالصواب
أن تقول: (يا من أمره -أي مأموره- بعد الكاف والنون) كما قال تعالى:
(إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ
فَيَكُونُ* فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ
وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ)
[يس:82-83]


المهم أنه يجب علينا أن نؤمن باليوم الآخر وإن كانت العقول الضعيفة تستبعده،
لأن الله تعالى إذا أمر حصل هذا فوراً،
كما قال تعالى: (إِنْ كَانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً )(يّـس: الآية53)
فبصيحة واحدة تأتي الخلائق كلها.


.19أن القدر ليس فيه شر، وإنما الشر في المقدور
،وتوضيح ذلك بأن القدر بالنسبة لفعل الله كله خير،
يدل لهذا: قول النبي صلى الله عليه وسلم : وَالشّرُّ لَيْسَ إِلَيْكَ [46] أي لاينسب إليك،
فنفس قضاء الله تعالى ليس فيه شرٌّ أبداً، لأنه صادر عن رحمة وحكمة،
لأن الشر المحض لا يقع إلا من الشرير ،
والله تعالى خير وأبقى.
إذاً كيف نوجّه وتؤمن بالقدر خيره وشرّه ؟
الجواب: أن نقول :المفعولات والمخلوقات هي التي فيها الخير والشر،

أما أصل فعل الله تعالى وهو القدر فلا شرّ فيه،
مثال ذلك: قول الله عزّ وجل( ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ
وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ )(الروم: الآية41) هذا بيان
سبب فساد الأرض ،
وأما الحكمة فقال: (لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ)(الروم: الآية41)

إذن هذه مصائب من جدب في الأرض ومرض أو فقر،
ولكن مآلها إلى خير، فصار الشرّ لايضاف إلى الرب،
لكن يضاف إلى المفعولات والمخلوقات مع أنها شر من وجه وخير من وجه آخر،
فتكون شراً بالنظر إلى ما يحصل منها من الأذية،
ولكنها خير بما يحصل منها من العاقبة الحميدة
(لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) [الروم:41].

ومن الحكمة أن يكون في المخلوق خير وشر،
لأنه لولا الشر ما عُرف الخير،كما قيل: (وبضدها تتبين الأشياء) فلو كان
الناس كلهم على خير ما عرفنا الشر، ولو كانوا كلهم على شر ما عرفنا الخير،

كما أنه لا يعرف الجمال إلا بوجود القبيح، فلو كانت الأشياء كلها جمالاً ما عرفنا القبيح.

إذا إيجاد الشر لنعرف به الخير، لكن كون الله تعالى يوجد هذا الشر ليس شراً،
فهنا فرق بين الفعل والمفعول،
ففعل الله الذي هو تقديره لا شر فيه، ومفعوله الذي هو مُقدرهُ ينقسم إلى خير وشر،
وهذا الشر الموجود في المخلوق لحكمة عظيمة.


فإذا قال قائل: لماذا قدر الله الشر؟
فالجواب: أولاً: ليُعرف به ا لخير.
ثانياً: من أجل أن يلجأ الناس إلى الله عزّ وجل.
ثالثاً: من أجل أن يتوبوا إلى الله.
فكم من إنسان لا يحمله على الورد ليلاً أو نهاراً إلا مخافة شرور الخلق،
فتجده يحافظ على الأوراد لتحفظه من الشرور، فهذه الشرور في المخلوقات لتحمل الإنسان على الأذكار والأوراد وما أشبهها، فهي خير.

ولنضرب
مثلاً في رجل له ابن مشفق عليه تماماً، وأصيب الابن بمرض وكان من المقرر
أن يكوى هذا الابن بالنار، ولا شك أن النار مؤلمة للابن، لكن الأب يكويه
لما يرجو من المصلحة بهذا الكي، مع أن الكي في نفسه شر، لكن نتيجته خير.

وإذا علمت أن فعل الله عزّ وجل الذي هو
فعله كله خير اطمأننت إلى مقدور الله عزّ وجل واستسلمت تماماً،وكنت كما
قال الله عزّ وجل: (وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ )(التغابن:
الآية11) قال علقمة: هو الرجل تصيبه المصيبة فيعلم أنها من عند الله
فيرضى ويسلم.

والإنسان إذا رضي بالقدر حقاً استراح من
الحزن والهم، بدليل قول الرسول صلى الله عليه وسلم: المُؤْمِنُ
القَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللهِ مِنَ المُؤمِنِ الضَّعِيْفِ،
وَفِيْ كُلٍّ خَيْر، اِحْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ وِاسْتَعِنْ بِاللهِ
وَلا تَعْجَزْ، وَإِنْ أَصَابَكَ شَيءٌ فَلا تَقُلْ: لَوْ أَنِّيْ
فَعَلْتُ كَذَا لَكَانَ كَذَا، فَإِنَّ - لَوْ - تَفْتَحُ عَمَلَ
الشَّيْطَانِ [47] فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالحرص على ما ينفع، ثم إذا اختلفت الأمور فقل: هذا قدر الله وما شاء فعل.

وليس المراد بقول النبي صلى الله عليه
وسلم: المُؤْمِنُ القَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللهِ مِنَ المُؤمِنِ
الضَّعِيْفِ قوي العضلات، بل المراد: المؤمن القوي في إيمانه لا في
جسمه، فكم من إنسان قوي الجسم لكن لا خير فيه، وبالعكس. وبهذه المناسبة لو
كتبت هذه الجملة المُؤْمِنُ القَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللهِ
مِنَ المُؤمِنِ الضَّعِيْفِ على لوحة كبيرة فوق ملعب رياضي، على أن
المراد بالمؤمن القوي قوي العضلات فإن هذا لايجوز

فالمهم أن الشر لاينسب إلى الله تعالى، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: وَالشَّرُّ لَيْسَ إِلَيْكَ [48]
وإنما ينسب الشر إلى المخلوقات، قال الله تعالى: (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ
الْفَلَقِ* مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ) [الفلق:1-2] فالشرّ ينسب إلى
المخلوقات.


20

أن الساعة لا يعلمها أحد إلا الله عز وجل ،
لأن أفضل الرسل من الملائكة سأل أفضل الرسل من البشر عنها،
فقال: ما المَسْؤولُ عَنْهَا بَأَعْلَمَ مِنَ السَّائِلِ.

ويترتب على هذه الفائدة أنه لو صدَّق أحد من الناس شخصاً
ادعى أن الساعة تقوم في الوقت الفلاني، فإنه يكون كافراً، لأنه مكذب للقرآن والسنة.



.21عظم الساعة، ولهذا جاءت لها أمارات وعلامات حتى يستعد الناس
لها - رزقنا الله وإياكم الاستعداد لها -.



.22أننا إذا كنا لانعلم الشيء فإننا نطلب ما يكون من علاماته،
لأن جبريل عليه السلام قال: أخبرني عن أماراتها


.23ضرب المثل بما ذكره النبي صلى الله عليه وسلم
: أن تَلِدَ الأَمَةُ رَبَّتَهَا وفي لفظ: ربَّهَا والعلامة الثانية:
أنْ تَرَى الحُفَاةَ العُرَاةَ العَالَةَ رُعَاءَ الشَّاءِ
يَتْطَاوَلُوْنَ فَي البُنْيَانِ.

فإن قال قائل: لم يذكر النبي صلى الله عليه وسلم أمارات أخرى أوضح من هذا؟
فالجواب: أن العلامات الأخرى بيّنة واضحة لا يحتاج السؤال عنها،
ولذلك عدل النبي صلى الله عليه وسلم عنها إلى ذكر هذه الصورة.



.24أن الملائكة يمشون إذا تحولوا إلى بشر، لقوله: ثم انْطَلَقَ
وهل يمشون إذا كانوا على صفةالخلق الذي خلقواعليه؟
الجواب: قال الله عزّ وجل:
(قُلْ لَوْ كَانَ فِي الْأَرْضِ مَلائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ
لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ مَلَكاً رَسُولاً) (الاسراء:95)

ولهم أجنحة يطيرون بها، كما قال تعالى
: (الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ
الْمَلائِكَةِ رُسُلاً أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ)
(فاطر:1)


.25إلقاء العالم على طلبته ما يخفى عليهم،
لقول النبي صلى الله عليه وسلم : أَتَدْرُوْنَ مَنِ السَّائِل



.26أن السائل عن العلم يكون معلماً لمن سمع الجواب،
لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال
: فإنه جبريل أَتَاكُم يُعَلِّمُكُمْ دِيْنَكُمْ مع أن الذي علمهم النبي صلى الله عليه وسلم

لكن لما كان سؤال جبريل هو السبب جعله هو المعلم.
ويتفرع على هذا: أنه ينبغي لطالب العلم
إذا كان يعلم المسألة وكان من المهم معرفتها أن يسأل عنها وإن كان يعلمها،

وإذا سأل عنها وأجيب صار هو المعلم.




.27أن السبب إذا بني عليه الحكم صار الحكم للسبب،
ولهذا ذكر العلماء لهذه القاعدة مسائل كثيرة منها:

لو شهد رجلان على شخص بما يوجب قتله من
ردة أو حرابة، ثم حكم القاضي بذلك ثم رجعوا وقالوا: تعمدنا قتله،فإن
هؤلاء الشهود يقتلون، لأن الحكم مبني على شهادتهم وهم السبب.

ولكن إذا اجتمع متسبب ومباشر فالضمان على المباشر
إلا إذا تعذرت إحالة الضمان عليه،فيكون على المتسبب، مثال ذلك:

رجل حفر حفرة في الطريق فوقف عليها رجل فجاء رجل ثالث فدفع الرجل وسقط في الحفرة ومات، فالضمان على الدافع،لأنه هو المباشر.
مثال آخر: رجل ألقى بشخص بين يدي الأسد
فأكله، فالمباشر هنا هو الأسد، والمتسبب الرجل الذي ألقى الآخر بين يدي
الأسد، فالضمان على الرجل لتعذر إحالة الضمان على الأسد.



.28-أن ما ذكر في هذا الحديث هو الدين،
لقوله: يُعَلِّمُكُمْ دِيْنَكُمْ ولكن ليس على سبيل التفصيل،بل على سبيل الإجمال.

فإن قال قائل: أليس النبي صلى الله عليه وسلم قال:
الدِّيْنُ النَّصِيْحَةُ ثلاث مرات: للهِ، وَلِكِتَابِهِ، وَلِرَسُوله، وَلأَئِمَّةِ المُسْلِمِيْنَ، وَعَامَّتِهِمْ [49]؟

فالجواب:بلى، لكن هذه النصيحة لا تخرج عما في حديث جبريل،لأنها من الإسلام.



وهنا مسألة: هل في تقدير المخلوقات الشريرة حكمة ؟
والجواب: نعم، حكمة عظيمة، ولولا هذه
المخلوقات الشريرة ما عرفنا قدر المخلوقات الخيّرة، فالذئب مثلاً صغير
الجسم بالنسبة للبعير، ومع ذلك الذئب يأكل الإنسان كما قال الله تعالى في
سورة يوسف علىلسان يعقوب عليه السلام: (وَأَخَافُ أَنْ يَأْكُلَهُ
الذِّئْبُ )(يوسف: الآية13) ومعلوم أن البعير لا يأكل الإنسان، بل إن
البعير القوي الكبير الجسم ينقاد للصبي الصغير، قال الله عزّ وجل:
(أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا
أَنْعَاماً فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ*وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا
رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ) [يس:71-72] فتأمل الحكمة البالغة أن
الله تعالى خلق الإبل،وهي أجسام كبيرة،وأمرنا الله تعالى أن نتدبر حيث
قال: (أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْأِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ) (الغاشية:17)

وخلق الذئاب وأشباهها مما يؤذي بني آدم حتى يعلم الناس بذلك قدرة الله عزّ وجل
،وأن الأمور كلها بيده.



[/size]
زهرة
زهرة
Admin
Admin

عدد المساهمات : 163
تاريخ التسجيل : 22/09/2012

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى